كدليل، فالأمة، وإن اتفقت على أن أحكام الشريعة مما تراعى فيها المصالح، ولكن دليل الاستصلاح موضع خلاف كبير لعدم إيمان الكثير منهم بإمكان إدراك هذه المصالح مجتمعة من غير طريق الشرع، وقد سبق ايضاح ذلك في مبحث العقل.
فدليل الاستصلاح إذن ليس موضع وفاق ليقدم على الاجماع.
(الوجه الثاني: ان النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الاحكام المذموم شرعا، ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرطا فكان اتباعه أولى، وقد قال عز وجل: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (1))، (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ (2))، وقال عليه السلام: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وقد قال عز وجل في مدح الاجتماع:
(وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم (3))، وقال عليه السلام: (كونوا عباد الله إخوانا).
ومن تأمل ما حدث بين أئمة المذاهب من التشاجر والتنافر، علم صحة ما قلنا، حتى أن المالكية استقلوا بالمغرب، والحنفية بالمشرق، فلا يقار أحد المذهبين أحدا من غيره في بلاده إلا على وجه ما، وحتى بلغنا أن اهل جيلان من الحنابلة إذا دخل إليهم حنفي قتلوه، وجعلوا ماله فيئا حكمهم في الكفار، وحتى بلغنا أن بعض بلاد ما وراء النهر من بلاد الحنفية، كان فيه مسجد واحد للشافعية وكان والي البلد يخرج كل يوم لصلاة الصبح فيرى ذلك المسجد فيقول: أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق؟ فلم يزل كذلك، حتى أصبح يوما وقد سد باب ذلك المسجد بالطين واللبن فأعجب الوالي ذلك).
(ثم إن كلا من اتباع الأئمة، يفضل إمامه على غيره في تصانيفهم