ثم أورد بعد ذلك على نفسه بقوله: (فإن قيل خلاف الأمة في مسائل الاحكام رحمة وسعة، فلا يحويه حصرهم من جهة واحدة لئلا يضيق مجال الاتساع، قلنا هذا الكلام ليس منصوصا عليه من جهة الشرع حتى يمتثل، ولو كان لكان مصلحة الوفاق أرجح من مصلحة الخلاف فتقدم).
(ثم ما ذكرتموه من مصلحة الخلاف بالتوسعة على المكلفين معارض بمفسدة تعرض منه، وهو ان الآراء إذا اختلفت وتعددت اتبع بعض رخص بعض المذاهب فأفضى إلى الانحلال والفجور كما قال بعضهم:
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج * في كل مسألة بقول إمام يعني بذلك شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة، والوطء في الدبر على ما يعزى إلى مالك، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي).
(وأيضا فإن بعض أهل الذمة ربما أراد الاسلام فيمنعه كثرة الخلاف وتعدد الآراء ظنا منه انهم يخطئون، لان الخلاف مبعود عنه بالطبع، ولهذا قال الله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها (1)) أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا، لا يختلف إلا بما فيه من المتشابهات وهي ترجع إلى المحكمات بطريقها، ولو اعتمدت رعاية المصالح المستفادة من قوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) على ما تقرر، لاتحد طريق الحكم وانتهى الخلاف، فلم يكن ذلك شبهة في امتناع من أراد الاسلام من أهل الذمة وغيرهم (2)).