من الوجوب والحرمة مجهول والاستصحاب إنما يجرى بالنسبة إلى خصوص نوع التكليف المتعلق بالفعل، فهو من هذه الجهة كأصالة البراءة لا يكون مؤداه مضادا للمعلوم بالإجمال الذي هو جنس الإلزام، وكذا من جهة المخالفة العملية، فإنه أيضا لا يلزم من جريانه في كل من الوجوب والحرمة مخالفة عملية، لأن المكلف لا يخلو من الفعل والترك.
نعم: لما كان الاستصحاب من الأصول المتكفلة للتنزيل - كما سيأتي بيانه في محله - فلا يمكن الجمع بين مؤداه والعلم الإجمالي، فان البناء على عدم وجوب الفعل وعدم حرمته واقعا - كما هو مفاد الاستصحابين - لا يجتمع مع العلم بوجوب الفعل أو حرمته (1) وسيأتي في محله: أن الأصول التنزيلية لا تجرى في أطراف العلم الإجمالي مطلقا، سواء لزم منها المخالفة العملية أو لم يلزم.
وإن شئت قلت: إن البناء على مؤدى الاستصحابين ينافي الموافقة الالتزامية، فان التدين والتصديق بأن الله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميا إما الوجوب أو الحرمة لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمة واقعا.
فتحصل: أن شيئا من الأصول العملية العقلية والشرعية لا تجرى في باب دوران الأمر بين المحذورين، يعنى لا موقع لجعل وظيفة عقلية أو شرعية فيه، بل المكلف بحسب خلقته التكوينية مخير بين الفعل والترك، وهذا التخيير ليس بحكم شرعي أو عقلي واقعي أو ظاهري.
وما ورد من التخيير في باب تعارض الأمارات إن كان المراد منه التخيير في المسألة الأصولية - وهو التخيير في أخذ أحد المتعارضين حجة وطريقا إلى الواقع في مقام الاستنباط - فهو أجنبي عما نحن فيه، وإن كان المراد منه التخيير في المسألة الفقهية - أي التخيير في العمل - فيكون من التخيير العقلي التكويني لا تعبدي شرعي إذا كان التعارض على وجه يوجب دوران الأمر بين