واضحا، فان مورد أصالة البراءة والاستصحاب - على ما سيأتي بيانه - إنما يكون خصوص ما تعلق بالفعل من الوجوب أو الحرمة، فيحتاج كل من الوجوب والحرمة إلى براءة أو استصحاب يخصه، ولا تغنى أصالة البراءة في طرف الوجوب عن أصالة البراءة في طرف الحرمة، وكذا الاستصحاب.
وهذا بخلاف " أصالة الحل والإباحة " فان جريانها في كل من طرف الفعل والترك يعنى عن جريانها في الطرف الآخر، فان معنى إباحة الفعل وحليته هو الرخصة في الترك وبالعكس، ولذلك كان مفاد أصالة الحل بمدلوله المطابقي يناقض نفس العذر المشترك المعلوم بالإجمال، وهو جنس الإلزام.
فظهر: أن عدم جريان أصالة الحل في دوران الأمر بين المحذورين إنما هو لعدم انحفاظ رتبتها، لا لأجل مخالفة مؤداها للموافقة الالتزامية الواجبة كما قيل، فان الموافقة الالتزامية إن كانت بمعنى التدين بما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله - والتصديق بالإحكام والالتزام بها على ما هي عليها، فوجوبها بهذا المعنى وإن كان غير قابل للإنكار، فان الحكم إن كان من الضروريات فالالتزام به عبارة عن الإيمان والتصديق بالنبي - صلى الله عليه وآله - ولذلك كان إنكاره كفرا، وإن لم يكن من الضروريات وكان من القطعيات المذهبية فانكاره وإن لم يوجب الكفر إلا أن عدم الالتزام به يكون من التشريع المحرم، فتأمل، إلا أن البناء على الإباحة الظاهرية لا ينافي هذا الالتزام، فان الالتزام الواجب عند دوران الأمر بين المحذورين هو الالتزام والتصديق بجنس الإلزام لا بخصوص الوجوب أو الحرمة، فان الالتزام بأحدهما بالخصوص لا يمكن إلا مع العلم بالخصوصية وإلا كان من التشريع المحرم، فالذي يمكن من الالتزام هو الالتزام بأن لله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميا، وذلك لا ينافي البناء على الإباحة والرخصة الظاهرية في ظرف الجهل بنوع الإلزام.
نعم: لو كانت أصالة الإباحة من الأصول المتكفلة للتنزيل المحرزة