قوله تعالى: " خلق الله السماوات " من أنه لا يمكن أن تكون السماوات مفعولا به لأنه لا وجود للسماوات قبل ورود الخلق عليها مع أن المشهور جعلوا السماوات مفعولا به فعلى هذا لا يمكن أن يتعلق التكليف بالتكليف على نحو تعلق الفعل بالمفعول به لأنه ليس للتكليف نحو وجود سابق عن تعلق التكليف به بل وجوده إنما يكون بنفس إنشاء التكليف لأن المفعول المطلق من كيفيات الفعل فلا يمكن وجوده قبله - فاسد، فان المفعول المطلق النوعي والعددي يصح جعله مفعولا به بنحو من العناية، مثلا الوجوب والتحريم وإن كان وجودهما بنفس الإيجاب والإنشاء وليس لهما نحو تحقق في المرتبة السابقة، إلا أنهما باعتبار ما لهما من المعنى الاسم المصدري يصح تعلق التكليف بهما. نعم: هما بمعنى المصدر لا يصح تعلق التكليف بهما، فتأمل.
وثانيا: على فرض ظهور الآية الشريفة في إرادة التكليف من " الموصول " وإرادة الوصول والإعلام من " الايتاء " فأقصى ما تدل عليه الآية المباركة هو أن المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلا بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والتكاليف إلى العباد (1) وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشك في التكليف بعد البعث والإنزال والتبليغ وعروض اختفاء التكليف لبعض الموجبات التي لا دخل للشارع فيها، فالآية المباركة لا تدل على البراءة، بل مفادها مفاد قوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (2) وقد قيل: إن هذه الآية أظهر الآيات التي استدل بها للبرائة.
وأنت خبير: بأن مفادها أجنبي عن البراءة، فان مفادها الأخبار بنفي التعذيب قبل إتمام الحجة، كما هو حال الأمم السابقة، فلا دلالة لها على