والثاني: لتعظيم انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في غيرها، وكذلك تعظيم الطاعات فيها.
والثاني: أنها الأشهر التي أجل المشركون فيها للسياحة، ذكره ابن قتيبة.
قوله تعالى: (وذلك الدين القيم) فيه قولان:
أحدهما: ذلك القضاء المستقيم، قاله ابن عباس.
والثاني: ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) اختلفوا في كناية " فيهن " على قولين:
أحدهما: أنها تعود على الاثني عشر شهرا، قاله ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لا تجعلوا حرامها حلالا، ولا حلالها حراما، كفعل أهل النسئ.
والثاني: أنها ترجع إلى الأربعة الحرم، وهو قول قتادة، والفراء، واحتج بأن العرب تقول لما بين الثلاثة إلى العشرة: لثلاث خلون، وأيام خلون، فإذا جزت العشرة قالوا: خلت ومضت، ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة: هن، وهؤلاء، فإذا جزت العشرة، قالوا: هي، وهذه، إرادة أن تعرف سمة القليل من الكثير. وقال ابن الأنباري: العرب تعيد الهاء والنون على القليل من العدد، والهاء والألف على الكثير منه، والقلة: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكثرة: ما جاوز العشرة. يقولون: وجهت إليك أكبشا فاذبحهن، وكباشا فاذبحها، فلهذا قال: (منها أربعة حرم) وقال: (فلا تظلموا فيهن) لأنه يعني بقوله [تعالى]: " فيهن " الأربعة. ومن قال من المفسرين: إنه يعني بقوله: [تعالى] " فيهن " الاثني عشر، فإنه ممكن، لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير، وعلامة الكثير للقليل. وعلى قول من قال: ترجع " فيهن " إلى الأربعة، يخرج في معنى الظلم فيهن أربعة أقوال:
أحدها: أنه المعاصي، فتكون فائدة تخصيص النهي عنه بهذه الأشهر، أن شأن المعاصي يعظم فيها أشد من تعظيمه في غيرها، وذلك لفضلها على ما سواها، كقوله [تعالى]: (وجبريل وميكال) وإن كانا قد دخلا في جملة الملائكة، وقوله: (فاكهة ونخل ورمان) وإن كانا قد دخلا في جملة الفاكهة، وقوله [تعالى]: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وإن كان منهيا عنه في غير الحج، وكما أمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى وإن كان مأمورا بالمحافظة على غيرها، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أن المراد بالظلم فيهن فعل النسئ، وهو تحليل شهر محرم، وتحريم شهر حلال، قاله ابن إسحاق.