أصادق هو، أم كاذب؟ فليس هاهنا من يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والسقاية، والحجابة، والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت هذه الآية، قاله السدي ذكره الطبري مطولا فأما الذي يقولون، فهو التكذيب للنبي [صلى الله عليه وسلم]، والكفر بالله. وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهونه به.
قوله تعالى: (فإنهم لا يكذبونك) قرأ نافع، والكسائي: " يكذبونك " بالتخفيف وتسكين الكاف. وفي معناها قولان:
أحدهما: لا يلفونك كاذبا، قاله ابن قتيبة.
والثاني: لا يكذبون الشئ الذي جئت به، إنما يجحدون آيات الله، ويتعرضون لعقوباته، قال ابن الأنباري. وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة بأن العرب تقول: كذبت الرجل: إذا نسبته إلى الكذب وصنعة الأباطيل من القول، وأكذبته: إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب، ليس هو الصانع له. قال: وقال غير الكسائي: يقال: أكذبت الرجل: إذا أدخلته في جملة الكذابين، ونسبته إلى صفتهم، كما يقال: ابخلت الرجل: إذا نسبته إلى البخل، وأجبنته: إذا وجدته وجبانا.
قال الشاعر:
فطائفة قد أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومذنب وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة وابن عامر: " يكذبونك " بالتشديد وفتح الكاف، وفي معناها خمسة أقوال:
أحدها: لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب عناد وبهت، قاله قتادة، والسدي.
والثاني: لا يقولون لك: إنك كاذب، لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت، به قاله ناجية ابن كعب.
والثالث: لا يكذبونك في السر، ولكن يكذبونك في العلانية، عداوة لك، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والرابع: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت.
والخامس: لا يكذبونك بقلوبهم، لأنهم يعلمون أنك صادق، ذكر القولين الزجاج.
وقال أبو علي: يجوز أن يكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلفت اللفظتان، إلا أن " فعلت ".
إذا أرادوا أن ينسبوه إلى أمر أكثر من " فعلت " ويؤكد أن القراءتين بمعنى، ما حكاه سيبويه أنهم قالوا: قللت، وأقللت، وكثرت، وأكثرت بمعنى.