من وجه، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين، فنسخ الله ذلك بهذه الآية، وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول [صلى الله عليه وسلم]، ثم نسخ ذلك بقوله [تعالى]: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه). وقال آخرون: المراد بالأنفال شيئان.
أحدهما: ما يجعله الرسول صلى الله عليه وسلم لطائفة من شجعان العسكر ومتقدميه، يستخرج به نصحهم، ويحرضهم على القتال.
والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها كما روي عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فغنمنا إبلا، فأصاب كل واحد منا اثنا عشر بعيرا، ونفلنا بعيرا بعيرا، فعلى هذا هي محكمة، لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا.
فصل ويجوز النفل قبل إحراز الغنيمة، وهو أن يقول الإمام: من أصاب شيئا فهو له، وبه قال الجمهور. فأما بعد إحرازها، ففيه عن أحمد روايتان وهل يستحق القاتل سلب المقتول إذا لم يشرطه له الإمام، فيه قولان:
أحدهما: يستحقه، وبه قال الأوزاعي، والليث، والشافعي.
والثاني: لا يستحقه، ويكون غنيمة للجيش، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وعن أحمد روايتان كالقولين:
قوله تعالى: (قل الأنفال لله والرسول) أي يحكمان فيها ما أرادا، (فاتقوا الله) بترك مخالفته (وأصلحوا ذات بينكم) قال الزجاج: معنى " ذات بينكم " حقيقة وصلكم. والبين:
الوصل، كقوله [تعالى]: (لقد تقطع بينكم).
ثم في المراد بالكلام قولان:
أحدهما: أن يرد القوي على الضعيف، قاله عطاء.
والثاني: ترك المنازعة تسليما لله ورسوله.
قوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله) أي: أقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها.