ذلك، كما يظهر قدرته في قول: (كن فيكون).
والرابع: أنه علم عباده التثبت، فإذا تثبت من لا يزل، كان ذو الزلل أولى بالتثبت.
والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شئ بعد شئ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق.
قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) قال الخليل بن أحمد: العرش: السرير، وكل سرير لملك يسمى عرشا، وقلما يجمع العرش إلا في اضطرار، واعلم أن ذكر العرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام. قال أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل * ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس * وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله ناظر العين * ترى دونه الملائك صورا وقال كعب: إن السماوات في العرش كالقنديل معلق بين السماء والأرض. وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء. وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية. وقد شذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك. وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوز، مع مخالفة الأثر، ألم يسمعوا قوله [عز وجل]: (وكان عروشه على الماء) أتراه كان الملك على الماء؟ وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء؟ وبعضهم يقول: استوى بمعنى استولى، ويحتج بقول الشاعر:
حتى استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق ويقول الشاعر أيضا:
هما استويا بفضلهما جميعا * على عرش الملوك بغير زور وهذا منكر عند اللغويين. قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى، ومن قال ذلك فقد أعظم. قالوا: وإنما يقال: استولى فلان على كذا، إذا كان بعيدا عنه غير متمكن منه، ثم تمكن منه، والله عز وجل لم يزل مستوليا على الأشياء، والبيتان لا يعرف قائلهما، كذا قال ابن فارس اللغوي. ولو صحا، فلا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا. نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة.
قوله تعالى: (يغشي الليل النهار) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: " يغشي " ساكنة الغين خفيفة. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: " يغشي " مفتوحة الغين مشددة،