فقال لكل سورة ركعة وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر ويؤيده ما رواه عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) اقرا سورتين في ركعة قال نعم قلت أليس يقال اعط كل سورة حقها من الركوع والسجود فقال ذلك في الفريضة فاما النافلة فليس به باس وان الصلاة المأتي بها بيانا من النبي صلى الله عليه وآله لا يخلوا عن أحد الامرين من الوحدة أو التعدد لا محالة وأيهما كان تعين وجوبه ولما كان وجوب التعدد منفيا يلزم وجوب الوحدة وفيه نظر لأن هذه الروايات يجب حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين ما دل على الجواز كما سيأتي واشتمال صلاة النبي صلى الله عليه وآله على شئ لا يقتضي تعين وجوب ذلك الشئ على ما أومأنا إليه مرارا احتج القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال لا باس وفي الصحيح عن ابن بكير عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع) انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة واما النافلة فلا باس و التحقيق انه وقع التعارض بين الاخبار ويمكن الجمع بينها بوجهين أحدهما حمل (اخبار المنع على الاستحباب وثانيهما) اخبار الجواز على التقية ولعل للأول ترجيح ما والعمل بالاحتياط أولي واما الاستدلال على بطلان الصلاة بان القارن غير آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف فلتأمل فيه مجال قال الشيخ الفاضل ويتحقق القران بقرائة أزيد من سورة وان لم يكمل الثانية بل بتكرر السورة الواحدة أو بعضها ومثله تكرار الحمد وفيه نظر لأنه ينافي تجويزهم العدول من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز النصف من غير خلاف ظاهر فيه وأيضا كثير من الروايات يدل على جواز قرائة أكثر من سورة وقد مر نبذة من ذلك واما رواية منصور بن حازم فغير نقي السند قال بعض الأصحاب وكيف كان فموضع الخلاف قرائة الزائد على أنه جزء من القراءة المعتبرة في الصلاة إذ الظاهر أنه لا خلاف في جواز القنوت ببعض الآيات واجابه المسلم بلفظ القران والاذن للمستأذن بقوله ادخلوها بسلام ونحو ذلك واعلم أن محل الخلاف فريضة واما النافلة فلا خلاف في جواز القران ويدل على ذلك رواية زرارة السابقة وغيرها من الروايات منها ما رواه الشيخ باسناد معتبر عن عبد الله ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال لا باس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت وعن محمد بن القسم قال سألت عبدا صالحا (ع) هل يجوز ان يقرا في صلاة الليل فاقرأ السورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ الا بسورة سورة وفيه دلالة على رجحان ترك القران في النافلة النهارية واستثنى من الفريضة في الحكم الذي ذكر صلاة الكسوف لما سيجئ من تعدد السورة فيها ويجب الجهر بالقراءة في الصبح وأوليي المغرب وأوليي العشاء والاخفات في البواقي وهي الظهران مطلقا وأخيرة المغرب وأخيرة العشاء المشهور بين الأصحاب ما ذكره المصنف وانه يبطل الصلاة بتركه عالما عامدا ونقل الاجماع عليه الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والمنقول عن السيد المرتضى (ره) انه من وكيد السنن وعن ابن الجنيد والقول باستحبابهما وقال ابن إدريس لا خلاف بيننا في أن الصلاة الاخفاتية لا يجوز الجهر فيها بالقراءة مع أنه قال في موضع اخر والجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب ونقل الخلاف فيه عن السيد حجة المشهور ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة وان فعل ذلك ناسيا أولا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته والاستدلال بهذا الخبر على تفصيل مواضع الجهر والاخفات بمعونة ان المذكور من المواضع التي لا ينبغي الاجهار فيها والتي لا ينبغي الاخفاء فيها معلوم من خارج بغير نزاع وان النبي صلى الله عليه وآله كان يذام على هذا فيجب للامر بالتأسي أو لكونه بيانا للمجمل ويرد عليه ان الرواية معارضة بالرواية الآتية ومداومة النبي صلى الله عليه وآله لا يقتضي الوجوب كما ذكرناه مرارا حجة القول الآخر ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلي الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه ان لا يجهر قال إن شاء جهر وان شاء لم يجهر قوله هل عليه ان لا يجهر معناه هل عليه في ذلك من حرج أم لا وحملها الشيخ على التقية لموافقتها لمذهب العامة قال المحقق في المعتبر وهو تحكم من الشيخ فان بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبه مؤكدا وحملها بعضهم على الجهر العالي وهو بعيد والمسألة محل اشكال لوقوع التعارض بين الخبرين مع صحة اسنادهما ويمكن الجمع بينهما بوجهين أحدهما حمل الخبر الأول على الاستحباب بان يجعل نقص بالصاد المهملة لعدم الانضباط في أمثال ذلك أو يجعل بالضاد المعجمة ويكون ذلك مبنيا على تأكد الاستحباب وكذا الامر بالإعادة وثانيهما حمل الخبر الثاني على التقية ويرجحه شهرة مدلول الخبر الأول بين الأصحاب ومخالفته للعامة ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الفقيه باسناد معتبر عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران انه سأل أبا عبد الله (ع) فقال لأي علة تجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيهما لان النبي (ص) لما اسرى به إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلي خلفه وامر نبيه صلى الله عليه وآله ان يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة وأمر ان يخفى القراءة لأنه لم يكن ورائه (احده) ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة فأمره بالاجهار وكذلك العشاء الآخرة فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عز وجل عليه الفجر فأمره بالاجهار ليبين للناس فضله وكماله كما بين الملائكة فلهذه العلة يجهر فيها وأورده في كتاب العلل باسناد أخرى وباسناده عن الفضل بن شاذان في ذكر العلة التي من اجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض ان الصلوات التي يجهر فيها انما هو في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة فان أراد ان يصلي صلى لأنه ان لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما انما هما بالنهار في أوقات فريضة فهي تعلم من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع و يرجح الأول وضوح دلالة الخبر الثاني على التوسعة وعلو اسناده واعتضاده بظاهر القران قال الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا إذ ليس المراد والله تعالى اعلم النهى عن حقيقة الاجهار والاخفات إذ لا واسطة بينهما بل المراد بها النهى عن الجهر العالي والاخفات الشديد والاخر بالمتوسط بينهما وهو شامل للجهر والاخفات بالمعنى الذي هو محل البحث والآية وان قيل في تفسيرها وجوه متكثرة لكن الترجيح لما ذكرنا فمن تلك الوجوه ان المعنى لا يجهر (لا تجهر) بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك ومنها لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك بان تجهر في صلاة الليل وتخافت في صلاة النهار ومنها ان يكون المراد بالصلاة الدعاء ومنها ان يكون خطابا لكل واحد من المكلفين أو من باب إياك أعني واسمعي يا جاره اي لا تعلنها اعلانا يوهم الرياء ولا تسترها بحيث يظن بك تركها وانما قلنا برجحان المعنى الذي ذكرناه لنحو بعد في المعاني الأخر إما الأول والرابع فان الاجهار والاخفات صفتان يعقبان القراءة واستعمالهما في غيرهما على ضرب من التوسع كما أومأ إليه صاحب الكشاف ويستفاد من كلام أهل اللغة ان الاخفات مخصوص بالألفاظ حقيقة فيقع التردد بين حذف المضاف والقرينة عليه ما ذكر وارتكاب المجاز في اطلاق لفظ الاخفات وليس للثاني ترجيح فان قلنا ترجيح الأول فذاك وان تمسكنا في ترجيحه بما سيجيئ من الخبرين واما الثاني فلان الظاهر أن متعلق النهي فيهما واحد مع أن هذا المعنى يستلزم الاجمال والبيان يرجح عليه واما الثالث فلان الآية على هذا المعنى ينافي قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية وما يدعى من النسخ لم يثبت مع كونه خلاف الأصل على أن دعوى تبادر الأركان المخصوصة عن لفظ الصلاة غير بعيد ويرجح ما ذكرناه ما رواه الشيخ باسناد معتبر عن سماعة قال سألته عن قول الله عز وجل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال المخافتة ما دون سمعك والجهر ان ترفع صلاتك شديدا و روى الكليني باسناد فيه شئ عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) على الامام ان يسمع من خلفه وان كثروا فقال ليقرأ قرائة وسطا يقول الله تبارك الله تبارك وتعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وبهذه الرواية وظاهر الرواية الأولى يرتفع احتمال الاختصاص بالنبي صلى الله عليه وآله ومما يؤيد عدم وجوب الجهر والاخفات ظاهر قول الإمام (ع) في صحيحة محمد بن مسلم السالفة لا صلاة الا ان يقرأ بها في جهر أو اخفات وحملها على أن المراد لا صلاة الا ان يقرأ بها سواء كان في صلاة جهرية أو اخفائية خلاف الظاهر وفي رواية أخرى لا صلاة الا ان يبدأ بها في جهر أو اخفات وقوله (ع) في صحيحة الحلبيين نعم ان شاء سرا وان شاء جهرا بعد سؤال السائل من قرائة البسملة لان كل من قال بوجوب الجهر في القراءة قال بوجوبه في البسملة كما قال المصنف في المنتهى فان قلنا بترجيح أحد الجانبين كان العمل بمقتضاه والا تعين المصير إلى مقتضى القول المشهور تحصيلا للبرائة اليقينية وينبغي التنبيه على أمور الأول
(٢٧٤)