ذلك من الأعضاء ولم يكن يسيرا. فأما الموضع الأول: فإن الجمهور على أن ما كان أشد من هذه العيوب المنصوص عليها فهي أحرى أن تمنع الاجزاء. وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا تمنع الاجزاء ولا يتجنب بالجملة أكثر من هذه العيوب التي وقع النص عليها. وسبب اختلافهم: هل هذا اللفظ الوارد هو خاص أريد به الخصوص، أو خاص أريد به العموم؟
فمن قال أريد به الخصوص ولذلك أخبر بالعدد قال: لا يمنع الاجزاء إلا هذه الأربعة فقط، ومن قال هو خاص أريد به العموم وذلك من النوع الذي يقع فيه التنبيه بالأدنى على الأعلى قال: ما هو أشد من المنصوص عليها فهو أحرى أن لا يجزي. وأما الموضع الثاني: أعني ما كان من العيوب في سائر الأعضاء مفيدا للنقص على نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تمنع الاجزاء كمنع المنصوص عليها، وهو المعروف من مذهب مالك في الكتب المشهورة، والقول الثاني: أنها لا تمنع الاجزاء وإن كان يستحب اجتنابها، وبه قال ابن القصار وابن الجلاب وجماعة من البغداديين من أصحاب مالك. والقول الثالث: أنها لا تمنع الاجزاء ولا يستحب تجنبها، وهو قول أهل الظاهر. وسبب اختلافهم: شيئان أحدهما: اختلافهم في مفهوم الحديث المتقدم. والثاني: تعارض الآثار في هذا الباب. أما الحديث المتقدم: فمن رآه من باب الخاص أريد به الخاص قال: لا يمنع ما سوى الأربع مما هو مساو لها أو أكثر منها. وأما من رآه من باب الخاص أريد به العام وهم الفقهاء، فمن كان عنده أنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فقط، لا من باب التنبيه بالمساوي على المساوي قال:
يلحق بهذه الأربع ما كان أشد منها، ولا يلحق بها ما كان مساويا لها في منع الاجزاء إلا على وجه الاستحباب، ومن كان عنده أنه من باب التنبيه على الامرين جميعا أعني على ما هو أشد من المنطوق به أو مساو له قال: تمنع العيوب الشبيهة بالمنصوص عليها الاجزاء كما يمنعه العيوب التي هي أكبر منها، فهذا هو أحد أسباب الخلاف في هذه المسألة، وهو من قبل تردد اللفظ بين أن يفهم منه المعنى الخاص أو المعنى العام، ثم إن من فهم منه العام، فأي عام هو؟ هل الذي هو أكثر من ذلك؟ أو الذي هو أكثر والمساوي معا على المشهور من مذهب مالك؟ وأما السبب الثاني: فإنه ورد في هذا الباب من الأحاديث الحسان حديثان متعارضان فذكر النسائي عن أبي بردة أنه قال: يا رسول الله أكره النقص يكون في القرن والاذن، فقال له النبي (ص): ما كرهته فدعه ولا تحرمه على غيرك وذكر علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله (ص) أن نستشرف العين والاذن ولا يضحى بشرقاء ولا خرقاء ولا مدابرة ولا بتراء والشرقاء: المشقوقة الاذن. والخرقاء: المثقوبة الاذن.
والمدابرة: التي قطع من جنبتي أذنها من خلف. فمن رجح حديث أبي بردة قال: لا يتقي إلا العيوب الأربع أو ما هو أشد منها، ومن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث أبي بردة على اليسير الذي هو غير بين وحديث علي على الكثير الذي هو بين ألحق بحكم المنصوص عليها ما