من خليطين، فإنهما يتراجعان بالسوية فإن كل واحد من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده، وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثيرا ما في النصاب والقدر الواجب، أو في القدر الواجب فقط، قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بالسوية وقوله لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع يدل دلالة واضحة أن ملك الخليطين كملك رجل واحد، فإن هذا الأثر مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام: ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة إما في الزكاة عند مالك وأصحابه: أعني في قدر الواجب وإما في الزكاة، والنصاب معا عند الشافعي، وأصحابه. وأما الذين لم يقولوا بالخلطة، فقالوا:
إن الشريكين قد يقال لهما خليطان ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع إنما هو نهي للسعاة أن يقسم ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصدقة: مثل رجل يكون له مائة وعشرون شاة، فيقسم عليه إلى أربعين ثلاث شياة، أو يجمع ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة، قالوا: وإذا كان هذا الاحتمال في هذا الحديث، وجب أن لا تخصص به الأصول الثابتة المجمع عليها، أعني أن النصاب، والحق الواجب في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد. وأما الذين قالوا بالخلطة، فقالوا: إن لفظ الخلطة، هو أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان ذلك كذلك، فقوله عليه الصلاة والسلام فيهما: أنهما يتراجعان بالسوية مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأن قوله عليه الصلاة والسلام: أنهما يتراجعان بالسوية يدل على أن الخليطين ليسا بشريكين، لان الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع، إذ المأخوذ هو من مال الشركة. فمن اقتصر على هذا المفهوم، ولم يقس عليه النصاب، قال: الخليطان إنما يزكيان زكاة الرجل الواحد، إذا كان لكل واحد منهما نصاب، ومن جعل حكم النصاب تابعا لحكم الحق الواجب، قال:
نصابهما نصاب الرجل الواحد، كما أن زكاتهما زكاة رجل واحد، وكل واحد من هؤلاء أنزل قوله عليه الصلاة والسلام لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع على ما ذهب إليه. فأما مالك رحمه الله تعالى، فإنه قال: معنى قوله لا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة، وشاة، فتكون عليهما فيهما ثلاث شياه، فإذا افترقا، كان على كل واحد منهما شاة، ومعنى قوله لا يجمع بين مفترق أن يكون النفر الثلاث لكل واحد منهم أربعون شاة فإذا جمعوها، كان عليهم شاة واحدة، فعلى مذهبه النهي، إنما هو متوجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب. وأما الشافعي، فقال: معنى قوله: ولا يفرق بين مجتمع أن يكون رجلان لهما أربعون شاة، فإذا فرقا غنمهما، لم يجب عليهما فيها زكاة، إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملك رجل واحد في الحكم. وأما القائلون بالخلطة، فإنهم اختلفوا فيما هي الخلطة المؤثرة في الزكاة، فأما الشافعي، قال: إن من شرط الخلطة أن