ومع قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ومع قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شرب الخمر فاجلدوه " الحديث فلم يخص عليه السلام شيئا من شئ مما أمر بإقامة الحد عليه تائبا من غيره وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وما كان ربك نسيا، ثم نظرنا أيضا في احتجاجهم على هؤلاء المذكورين بأنهم قد أجمعوا على أن التوبة تسقط عذاب الآخرة وهو العذاب الأكبر فإذا أسقطت العذاب الأكبر فأحرى وأوجب أن تسقط العذاب الأقل الذي هو الحد في الدنيا فوجدنا هذا كله لازما لكل من ذكرنا لأنهم أصحاب قياس بزعمهم ولو صح قياس يوما ما من الدهر لكانت هذه المقاييس أصح قياس في العالم وأين هذا من قياسهم الفاسد الحديد على الذهب في الربا. وغزل القطن على الذهب والفضة في الربا.
وقياسهم فرج الزوجة على يد السارق وسائر قياساتهم الفاسدة التي لا تعقل، وأما نحن فلا يلزمنا هذا لان القياس كله باطل لا يحل القول بشئ منه في دين الله تعالى والحمد لله رب العالمين، وعذاب الآخرة غير عذاب الدنيا وليس إذا سقط أحدهما وجب أن يسقط الآخر إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع وكثير من المعاصي ليس فيها في الدنيا حد كالغصب، ومن قال لآخر: يا كافر. وكأكل لحم الخنزير. وعقوق الوالدين وغير ذلك وليس ذلك بموجب أن يكون فيها في الآخرة عقاب بل فيها أعظم العقاب في الآخرة، فصح أن أحكام الدنيا غير متعلقة بأحكام الآخرة وبالله تعالى التوفيق * وقد احتجوا بقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) فوجدناهم لا حجة لهم في هذه الآية لان الله تعالى لم يسقط الحد بالتوبة مطلقة ولو أراد ذلك لقال الا الذين تابوا ولم يقل من بعد ذلك فلما قال تعالى من بعد ذلك بين لنا تعالى أن هذه التوبة لا تكون الا من بعد الجلد ثمانين واستحقاق اسم الفسوق ورد الشهادة لا قبل الجلد بنص القرآن فإنما سقط بالتوبة بعد الجلد ما عدا الجلد لان الجلد قد نفذ فلا يسقط بعده بالتوبة الا الفسق وحكم قبول الشهادة فقط، وأيضا فبعد نزول هذه الآية جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة. وحسان بن ثابت. وحمنة بنت جحش فبطل التعلق في اسقاط الحد بالتوبة المذكورة في الآية وصح أنه إنما سقط بها ما عدا الحد وهو الفسق ورد الشهادة فقط فبطل كل ما شغب هؤلاء القوم به وصح أنه لا يسقط بالتوبة شئ من الحدود حاشا حد الحرابة الذي ورد النص بسقوطها بالتوبة قبل القدرة عليهم فقط وأما بالتوبة الكائنة منهم بعد القدرة عليهم أو مع القدرة عليهم فلا