وجل -: " وأما بنعمة ربك فحدث. " (1) فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، وفي ملبسك على الخشونة؟ فقال: ويحك، إن الله - عز وجل - فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره. فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء. " (2) أقول: العباء: الكساء من الصوف وهي لباس خشن. والملاء بالضم: الثوب اللين الرقيق. وفي مرآة العقول: " ابتذال نعمة الله بالفعال بالفتح: أن يصرفها فيما ينبغي متوسعا من غير ضيق. " (3) وطعام جشب، أي غليظ. وتبيغ به وتبوغ به: هاج به.
17 - وروى القصة في نهج البلاغة بنحو آخر، قال: " ومن كلام له - عليه السلام - بالبصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي - وهو من أصحابه - يعوده، فلما رأى سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا؟ أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة. فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال: وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال:
على به. فلما جاء قال: " يا عدى نفسه، لقد استهام بك الخبيث. أما رحمت أهلك وولدك؟
أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك! قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك! قال: ويحك، إني لست كأنت. إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره. " (4) أقول: عدى تصغير عدو. واستهام بك الخبيث، أي جعلك الشيطان هائما ضالا.