4 - ومن ذلك ما رواه أحمد في مسنده بسنده عن أنس بن مالك، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: " نضر الله عبدا سمع مقالتي هذه فحملها، فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله - عز وجل -، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم. " (1) وفيه أيضا بسنده، عن جبير بن مطعم، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نحوه وفيه: " إخلاص العمل، و النصيحة لولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من ورائه. " (2) 5 - ومن الروايات الجامعة في بيان ثبوت الحقوق المتقابلة بين الإمام والأمة ما خطبه أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين فقال: " أما بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم على من الحق مثل الذي لي عليكم. فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له...
وأعظم ما افترض الله - سبحانه - من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله - سبحانه - لكل على كل، فجعلها نظاما لألفتهم و عزا لدينهم. فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية.
فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، و طمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.
وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته اختلف هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين، وتركت محاج السنن فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثرت علل النفوس... " (3) أقول: أذلال جمع ذل بالكسر، وذل الطريق محجته. والإدغال في الدين: إدخال ما يخالفه ويفسده.