فهذه: سياسة الإسلام المبنية على أساس الصدق والوفاء بالعهود والذمم ولو كانت مع الأعداء وأعقب الوفاء بها ضيقا وشدة، فلا مدالسة ولا خداع ولو مع الأعداء.
نعم، سياسة أبناء الدنيا وأهل الهوى مبنية على أساس الغدر والخدع، كما تراه. ومن يتهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم السياسة فلا محالة يريد بها هذه السياسة المبنية على الكذب و الغدر، وقد قال - عليه السلام -: " والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس. " (1) هذا.
والوفاء بالعهد على ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) من الفضائل التي اجتمع عليه الناس مع تفرقهم في الآراء والأهواء، ولزمه المشركون أيضا فيما بينهم مع كونهم دون المسلمين في العقائد والأخلاق. فهو أمر فطري تستحسنه عقول جميع الناس، ويجب على كل مسلم أن يلتزم به ولو فرض كونه بضرره وكان الطرف كافرا. ولولا ذلك لم يعتمد أحد على أحد، واختل النظام فأعقب ذلك الضرر لجميع البشر.
21 - وقد اهتم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيرته; فكان يلتزم بمعاهداته ما لم يخن صاحبه:
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديبية بعد ما تم عقد الصلح بينه وبين سهيل بن عمرو من قبل المشركين وكان في عهده معهم أنه " من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم "، فبينا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتب الكتاب هو وسهيل إذ جاء أبو جندل، وكان ممن أسلم من قبل، فقام سهيل وضرب وجهه وقال يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال:
صدقت. فجعل سهيل يجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل، يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاع لك ولمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا