فهذا الكلام باختصاره جامع لجميع ما يكون على عهدة الحاكم الإسلامي، أي: " إقامة الحق ودفع الباطل. " 11 - وفيه أيضا: " لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. " (1) أقول: الكظة بالكسر وتشديد الظاء: البطنة وما يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام. والسغب: الجوع. وعفطة العنز: ما تنثره من أنفها.
يظهر من الحديث الشريف أن المسلمين - ولا سيما أهل العلم الواقفين على مذاق الشرع وحثه على العدالة الاجتماعية - لا يجوز لهم السكوت في قبال التفاوت الفاحش الطبقي المنتج من غصب الأقوياء لحقوق الضعفاء والمستضعفين.
وإحقاق الحقوق لا يمكن إلا بتحصيل القوة والقدرة، فبذلك يظهر وجوب إقامة الدولة الحقة وإحقاق الحقوق في ضوئها.
واعلم أن الله - تعالى - لم يخلق الإنسان من دون أن يخلق له ما يحتاج إليه في عيشته وما يتوقف عليه حياته. ولو ترى الفقر الشديد والنقص الفاحش في بعض منهم فإنما نشأ من ظلم بعضهم لبعض أو من كفرانهم نعم الله - تعالى - وعدم الاستفادة منها بالاستخراج والاستنتاج:
ففي سورة إبراهيم قال بعد ذكر أصول نعمه: " وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار. " (2) والظاهر أن المقصود بالسؤال هو الحاجة التكوينية الكامنة في الذوات; فالله - تعالى - علل النقص الموجود بالأمرين، أعني الظلم والكفران، فتدبر في الآيات الشريفة.