قلت: لا نسلم الفرق بين المقامين; فلو فرض أن المولى فوض أمر ابنه إلى عبده، فمرض الابن وذهب به العبد إلى طبيب، فصادف أن العبد تردد في صحة طبابته لجهة من الجهات، وكان يتمكن من الاحتياط أو الرجوع إلى طبيب آخر أو شورى طبية، فترك ذلك وعمل بقول الطبيب الأول واتفق أن الابن مات لذلك، فإذا اطلع المولى على تفصيل الواقعة فهل ليس له أن يعاتب العبد؟ وهل يسمع اعتذار العبد بأنه عمل بتكليفه من الرجوع إلى الطبيب؟
والحاصل أن الرجوع إلى فقهاء أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذا أصحاب الأئمة - عليهم السلام - أمثال زرارة، ومحمد بن مسلم، وبريد العجلي، وليث بن البختري المرادي، ويونس وغيرهم من بطانة الأئمة (عليهم السلام) كان أمرا متعارفا، كما تعارف إرجاع الأئمة (عليهم السلام) أيضا إليهم، ولكن لم يكن الاجتهاد في تلك الأعصار بحسب الغالب مبتنيا على المباني الصعبة الدقيقة، بل كان خفيف المؤنة جدا، فكان يحصل الوثوق غالبا للمستفتي وكان يعمل بوثوقه واطمينانه الحاصل من فتوى الفقيه.
فكذلك في أعصارنا لو حصل الوثوق بصحة فتوى المفتي وكونه مطابقا للواقع، كما لعله الغالب أيضا للأغلب، صح الأخذ به.
وفي الحقيقة العمل إنما يكون بالوثوق الذي هو علم عادى تسكن به النفس، لا بالتقليد والتعبد.
وأما إذا لم يحصل الوثوق في مورد خاص لجهة من الجهات، فالعمل به تعبدا مشكل.
نعم، لو ثبت جعل الشارع قول الفقيه حجة تأسيسية تعبدية، نظير جعل البينة حجة في الدعاوى، صح العمل به وإن لم يحصل الوثوق، بل وإن حصل ظن ما بالخلاف، ولكن إثبات ذلك مشكل. إذ ما استدل به من الآيات والروايات لإثبات ذلك إما أن تكون مرتبطة بباب التعليم والتعلم، أو تكون إرشادا إلى