ويشهد له أيضا الاستدلال بها في أخبارنا لوجوب نفر البعض لمعرفة الإمام ثم تعريفه للباقين. (1) مع وضوح أن الإمامة من المسائل الاعتقادية التي لا يجري ولا يجزي فيها التعبد و التقليد.
وبذلك يظهر الأمر في قول الخليل (عليه السلام) لأبيه أيضا، إذ ليس مراده المتابعة التعبدية، فإن التوحيد ونفي الشرك من أصول الدين ولا مجال للتعبد فيه.
وكذلك الكلام في الطائفة الأولى من الروايات، فإن المقصود فيها بث العلم ونشره، و لذا قال: " فيعلمونها الناس من بعدي. " فلا ربط لها بالتقليد التعبدي.
وأما الطائفة الثالثة الواردة في إرجاع بعض الشيعة إلى بعض، فالظاهر أنها ليست بصدد التأسيس وجعل الحجية لقول الفقيه أو الراوي تعبدا، بل تكون إمضاء لما استقرت عليه السيرة من الأخذ بقول الخبير الثقة وبيانا لكون الأفراد المذكورة من مصاديق موضوعها.
هذا مضافا إلى امكان منع كونها مرتبطة بباب الاجتهاد والإفتاء، بل لعلها مرتبطة بباب الرواية. وبين البابين بون بعيد. فإن الراوي يحكي عن الإمام، والمفتي يحكي عن فهم نفسه ورأيه. اللهم إلا أن يقال بعمومها لكلا البابين.
وأما ما دل على الترغيب في الإفتاء أو جوازه أو تقريره، فلا يدل على وجوب القبول والتعبد به مطلقا، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، بل لعل الواجب هو العمل بالفتوى بعد حصول الوثوق بمطابقته للواقع، كما عليه السيرة. وليست فائدة الإفتاء منحصرة في التعبد به بنحو الإطلاق حتى يحكم بذلك بدلالة الاقتضاء.