بالعلم التفصيلي المستند إلى الدليل في جميع المسائل، بل يكتفون بالعلم الإجمالي أيضا. كما لا يتقيدون بما لا يحتمل فيه الخلاف أصلا، بل يكتفون بالوثوق والعلم العادي أيضا، أي ما يكون احتمال الخلاف فيه ضعيفا جدا. وليس في هذا تعبد أصلا، لعدم التعبد في عمل العقلاء بما هم عقلاء.
فإذا فرض أنه في مورد خاص لم يحصل لهم الوثوق الشخصي بقول أهل الخبرة لجهة من الجهات - كما ربما يتفق ذلك في المسائل التفريعية الدقيقة الخلافية - فإن لم يكن الموضوع مهما وجاز فيه التسامح أمكن أيضا العمل رجاء. وأما إذا كان الموضوع من الأمور المهمة التي لا يتسامح فيها كالمريض الدائر أمره بين الحياة والموت مثلا فلا محالة يحتاطون حينئذ إن أمكن، أو يرجعون فيه إلى خبير آخر أو شورى طبية مثلا.
ولا يخفى أن مسائل الدين والشريعة كلها مهمة لا يجوز فيها التسامح والتساهل.
وبالجملة، فالملاك في بناء العقلاء وعملهم حصول الوثوق الشخصي. وليس هذا تقليدا تعبديا، بل هو علم عادي بنحو الإجمال يكتفي به العقلاء.
وبعبارة أخرى، إن كان التقليد عبارة عن العمل بقول الغير من دون مطالبة الدليل فهذا يكون تقليدا، وأما إذا كان عبارة عن الأخذ بقول الغير تعبدا فعمل العقلاء ليس تقليدا، إذ ليس بينهم تعبد.
ويجري ما ذكرناه في جميع الأمارات العقلائية التي لا تأسيس فيها للشارع، فإن العقلاء لا يعتمدون عليها إلا مع حصول الوثوق والعلم العادي.
فإن قلت: المعتبر في إحراز الواقعيات وإن كان هو الوثوق الشخصي والعلم العادي، ولكن بناء العقلاء في مقام الاحتجاج الدائر بين الموالي والعبيد هو الاحتجاج بقول الخبير الثقة مطلقا، فلا يسمع اعتذار العبد في مخالفته لقول الخبير الثقة بأنه لم يحصل له الوثوق شخصا.