كله ليس صدور مثل هذه الصنعة العجيبة عن تلك الحيوانات من تدبير نفسها الشخصية الجزئية عن استنباط والا لم يكن على وتيرة واحده بل صدورها عن الهام وتسخير من مدبرات أمرها وملائكة نوعها وأكثر فائدة تلك الصنائع يرجع إلى صلاح نوعها أو صلاح غيرها كالانسان الذي كأنه الصفوة والغاية في فعلها ووجودها ووجود صنائعها وما يرجع إلى صلاح شخصها فهو قليل بخلاف الانسان بما هو انسان سيما الفرد الكامل منه فان جميع ما يقصده ويكسبه انما ترجع فائدته إلى ذاته الشخصية والعلة في ذلك أن حكم الهوية الشخصية منه كالحقيقة النوعية من غيره في أن لها الديمومة الأخروية بشخصها والبقاء العقلي بذاتها والحيوانات الأخرى لا يبقى الا بالنوع لا بالعدد.
ومن خواصه أيضا انه يتبع ادراكه الأشياء النادرة حاله انفعالية يسمى بالتعجب ويتبعه الضحك ويتبع ادراكه للأشياء المؤذية انفعال يسمى الضجرة ويتبعه البكاء.
ومنها ان المشاركة المصلحية تقتضي المنع (1) من بعض الأفعال والحث على بعضها ثم إن الانسان يعتقد ذلك من حين صغره ويستمر نشؤه عليه فحينئذ يتأكد فيه اعتقاد وجوب الامتناع من أحدهما والاقدام على الاخر وركز في نفسه ذلك عناية من الله لأجل النظام فيسمى الأول قبيحا والثاني حسنا جميلا واما سائر الحيوانات فإنها ان تركت بعض الأمور مثل الأسد المعلم لا يأكل صاحبه ومثل الفرس العتيق النجيب لا يسافح أمه فليس ذلك من جهة اعتقاد في النفس بل لهيأة نفسانية أخرى وهو ان كل حيوان يحب بالطبع ما يلائمه ويلذه والشخص الذي يطعمه محبوب عنده فيصير ذلك مانعا عن اكله لذلك الشخص وكذا نشؤه عند أمه من أول صغره الفه بها ضربا آخر من الألفة يزجره عن الشهوة إلى اتيانها وربما تقع هذه العوارض عن الهام إلهي مثل حب كل حيوان ولده.