وعالم آخر موجوداته أمور صورية بلا مادة وانفعال وحركه والدنيا وكل ما فيها أمور كائنة فاسده متجددة داثرة زائلة ذات أوضاع وجهات مكانية فكل خبر يذكر فيه ان الجنة أو النار في مكان من أمكنه الدنيا وموضع من مواضع هذا العالم فاما ان يكون المراد باطن ذلك المكان كقولهم ان الجنة في السماء السابعة وان النار تحت السماء ليس المراد به ان الجنة داخله في جسمية السماء دخولا وضعيا بل دخولا معنويا كدخول النفس في البدن وكذا حكم النار وقد علمت أن منزله الجنة والنار من هذا العالم منزله الجنين من الرحم فما لم تبطل الدنيا لم ينكشف الأخرى وما لم ينهدم بناء الظاهر لم يعمر بناء الباطن واما ان يكون المراد منها حكم المظاهر الرقائق والنشئات النسبية للجنة والنار ألا ترى ان المرآة مظهر للصور الحسية وليست الصورة موجودة فيها فكذلك بعض مواضع الدنيا مظهر للجنة والنار فكما ان ما بين قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره روضه من رياض الجنة أي مظهر يظهر بها لمن كان من أهل الكشف والشهود روضه من أهل الجنة كمرآة تشاهد النفس بها صوره من الصور المحسوسة التي قابلتها فكذلك بعض المواضع المذكورة بمنزله المرائي المنكشفة بها أحوال الجنة أو النار كجدار مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تمثل له الجنة والنار وكماء الفرات وعين في جبل اروند وكوادي برهوت وغير ذلك من مواضع الأرض وكذلك البحر الواقع في حديث لا يركبن رجل بحرا فالمراد بكون الجنة أو النار في هذه المواضع انها صارت مجالي ومظاهر ينكشف بها مثال أحدهما واما ما يروى من قول أمير المؤمنين ع مع اليهودي وتصديقه ع إياه في أن موضع النار في البحر فليس المراد من البحر هذا البحر المحسوس بل شئ آخر معنوي غير محسوس بهذه الحواس المشار إليه في قوله تعالى والبحر المسجور وكذا المنقول عن ابن عباس وكعب الأحبار من أن النار سبعه أبحر أو تحت سبعه أبحر ليس المراد منه بحار الدنيا وانما المراد منها طبقات عالم الطبيعة بحسب الجوهر والحقيقة فان الطبيعة في الحقيقة نار غير محسوسة محرقة للأجسام مذيبة للأبدان محلله مبدله للجلود
(٣٢٨)