يعرفون أهل الدارين وثالثها انهم الأنبياء ع أجلسهم الله على ذلك السور تمييزا لهم عن سائر أهل الموقف وليكونوا مطلعين على أهل الجنة وأهل النار ومقادير ثوابهم وعقابهم ورابعها انهم أقوام يكونون في الدرجة السافلة من أهل الثواب وخامسها انهم هم الشهداء وهذا الوجه باطل لأنه تعالى خص أهل الأعراف بأنهم يعرفون كلا من السعداء والأشقياء والشهيد لا يلزم ان يكون عارفا بهذا العرفان ولو كان المراد انهم يعرفون أهل الجنة يكون وجوههم ضاحكه مستبشرة وأهل النار بسواد وجوههم وزرقه عيونهم لما بقي لأهل الأعراف اختصاص بهذه المعرفة لان جميع الخلق في القيامة يعرفون هذه الأحوال ولما بطل هذا الوجه والذي قبله لان أهل السفالة انزل حالا من أن يكونوا من أهل المعرفة وكذا الوجه الثاني لأنه تعالى وصفهم بكونهم رجلا والوصف بالرجولية انما يحسن في الموضع الذي يحصل فيه التقابل بينها وبين الأنوثية والملائكة ليسوا كذلك فثبت ان المراد بقوله تعالى يعرفون كلا بسيماهم هو انهم كانوا يعرفون في الدنيا أهل الخير والايمان وأهل الشر والطغيان فهو تعالى أجلسهم على الأعراف وهي الأمكنة العالية الرفيعة بحسب مقامهم ومرتبتهم ليكونوا مطلعين على الكل شاهدين على كل أحد من الفريقين بما يليق به ويعرفون ان أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات وأهل العقاب إلى الدركات.
لا يقال إن هذا الوجه غير صحيح أيضا لأنه تعالى وصفهم انهم لم يدخلوها أي الجنة وهم يطمعون في دخولها وهذا الوجه لا يليق بالأنبياء ومن يجرى مجراهم.
لأنا (1) نقول كونهم غير داخلين في الجنة في أول الأمر لا يقدح في كمال شرفهم وعلو درجتهم واما قوله وهم يطمعون فالمراد من هذا الطمع اليقين ألا ترى ان الله تعالى قال حكاية عن الخليل ع والذي أطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين ولا شك ان ذلك الطمع يقين فكذا هاهنا وبالجملة وصفه تعالى أهل الأعراف بما وصفه من كونهم جالسين على مكان عال رفيع وكونهم عارفين كلا من من الفريقين بسيماهم