وابخس مما كانت في أوائل فطرها فهي أشد احتياجا وأقوى انجذابا إلى المواد البدنية مما كانت وهذه الشبهة مما أوردها بعض أهل الحكمة ولم يقدر على حلها والذي أفادنا الله والقى في ذهني ان كل نفس وان كانت في أول تكونها بالقوة في جميع ما لها من الكمالات والصفات النفسانية الخيالية أو العقلية مع كونها بالفعل صوره وكمالا لجسم طبيعي مادي ولذلك لم يقم بلا مادة كما قالوه الا انها بعد وجودها الطبيعي وفي مده تكونها البدني تكتسب أخلاقا وملكات شريفة أو خسيسة وآراء واعتقادات حقه أو باطله فتصير بالفعل بعد كونها بالقوة في شئ من الحالات النفسانية اما في السعادة الأخروية وذلك إذا اقتنت ملكات فاضله واعتقادات حقه فصارت من جنس الملائكة والأخيار وانخرطت في سلكهم واما في الشقاوة الأخروية وذلك إذا اكتسبت ملكات رذيلة واعتقادات باطله فشبهت بالشياطين والأشرار لأنها من أهل الشر والفساد وبالجملة النفوس التي كانت في أول تكونها قابله محضه في الصفات النفسانية كلها ومتعلقه بالهيولى صارت بحسب اكتساب الصفات المستقرة التي هي الملكات خارجه من القوة إلى الفعل وتصورت بصوره نفسانية باطنية لها نحو آخر من الوجود في نشأة أخرى لأنها في هذه النشأة كامله بالفعل لأنها صوره وكمال لجسم طبيعي ولا يمكن ان يكون شئ واحد بحسب نشأة واحده صوره ومادة أو فعلا وقوه أو كمالا ونقصا معا فحاجه النفس الانسانية إلى البدن انما هي من جهة كونها قابله محضه فيما لها من الصفات الباطنة فإذا خرجت في شئ منها من القوة إلى الفعل وتصورت ذاتها بصورتها الباطنة لأجل رسوخ تلك الصفة زالت عنها القوة الاستعدادية التي كانت لها فتنفصل عن البدن وتنفرد بنحو آخر من الوجود الصوري من غير مادة واستعداد واما النفوس التي غلبت عليها ملكه العلوم الحقه والأخلاق الفاضلة فتصير محشورة إلى عالم القدس موطن الملائكة المقربين واما التي غلبت عليها الصفات الشيطانية من الجهل والغواية والضلالة فحشرت مع الشياطين أو الشهوية والغضبية فحشرت مع البهائم والسباع واليه الإشارة بقوله تعالى وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت وقد أشرنا إلى أن خروج النفس من القوة إلى الفعل لا ينافي الشقاوة الأخروية فالنفوس المتمردة الكافرة والشقية
(٢٧)