على الكائن ضرورة لأنا نقول هذا غير معلوم الوقوع فان الوباء العام لجميع أصناف الحيوانات الشامل لجميع النواحي بحيث لا يبقى حيوان أصلا غير متيقن والمتيقن وجود وباء في بعض نواحي الأرض دون غيرها وكذا الكلام في الطوفان إذ لا يلزم منه أيضا ان الفاسد من الانسان أكثر من الكائن من الحيوان لجواز ان يكون بإزاء ما فسد منه كائنات من الحيوانات البحرية كالحيتان ونحوها أو الحشرات الأرضية كالدود وأمثالها ولا استبعاد في أن يكون لكل قوم من أرباب الصناعات الدنيوية أمه من الصوامت البرية والبحرية يشبههم خلقا وخلقا وعيشه كالجند من الأتراك التي يشبه خلقهم وعيشهم أخلاق السباع وعيشها فلا جرم بعد موت ذلك القوم ينتقل نفوسهم إلى أعظم نوع من السبع ثم إلى أوسطه على المراتب الكثيرة ثم إلى الأصغر في أحقاب كثيره وأزمنة متطاولة إلى أن يزول عنها تلك الهيئات الردية فحينئذ يترقى إلى عالم الجنان كما مر.
أقول العمدة في بطلان التناسخ على جهة النزول ملاحظة ان الموجودات الصورية كالطبائع والنفوس متوجهه نحو غاياتها الوجودية خارجه عما لها من القوة الاستعدادية إلى الفعلية والنفس ما دامت في بدنها يزيد بجوهرها وفعليتها فيصير شيئا فشيئا أقوى وجودا وأشد تحصلا سواءا كانت من السعداء في النشأة الأخرى أو من الأشقياء وقوه الوجود يوجب الاستقلال في التجوهر والاستغناء عن المحل أو المتعلق به حتى يصير المتصل منفصلا والمقارن مفارقا فكون النفس الانسانية حين حدوثها في البدن مجرده الذات مادية الفعل وعند فساد البدن بحيث صارت مادية الذات والفعل جميعا كما يلزم من كلامهم في نفوس الأشقياء حيث تصير بعد فساد البدن نفسا حيوانية غير مجرده ذاتا وفعلا كما رأوه مما يحكم البرهان على فساده ويصادمه القول بان للأشياء غايات ذاتية وانها بحسب الغايات الزمانية طالبه لكمالاتها مشتاقة بغرائزها إلى غاياتها فهذه الحركة الرجوعية في الوجود من الأشد إلى الأنقص ومن الأقوى إلى الأضعف بحسب الذات ممتنع (1) جدا.