ان جميع أمور الآخرة من عذاب القبر والضغطة والمنكر والنكير والحيات والعقارب وغيرها أمور واقعه محسوسة من شانها ان يحس بهذه الباصرة لكن لا رخصه من الله في احساس الانسان ما دام في الدنيا لحكمه ومصلحة من الله في اخفائها عن عيون الناظرين كما يدل عليه ظاهر بعض الآيات وصوره الروايات.
المقام الثاني ان تلك الأمور الموعودة بها أو المتوعد عليها في عالم الآخرة هي مثل ما يرى في المنام كلها أمور خيالية وصور مثالية لا وجود لها في الخارج كما لا وجود لها عينيا لما يراه الانسان في نومه من الحيات والعقارب التي تلدغها الا انها كثيرا ما يتألم منها في النوم حتى يراه يصيح في نومه ويعرق وينزعج من مكانه انزعاجا شديدا وكذا في جهة اللذة فإنه ربما يلتذ بشئ في النوم التذاذا شديدا لا يلتذ مثل هذا الالتذاذ والسرور في اليقظة كل ذلك يدركه النائم من نفسه ويتأذى أو يلتذ به ويشاهد كثيرا من الصور والاشكال ويفعل أفاعيل خيالية وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا يرى حواليه حية موجودة وهي موجودة في حقه والعذاب حاصل في حقه ولكنه غير مشاهد وإذا كان العذاب في ألم اللدغ فلا فرق (1) بين حية يتخيل أو يشاهد وكذا الحال في الجنات والأشجار والأنهار والمواضع النزهة والأشخاص الكريمة التي يراها ويسر بها في نومه حاصله له موجودة في حقه ادراكا ذهنيا لا عينيا خارجيا ولا مشاهده بالحواس الظاهرة وهذا هو الذي مال إليه الشيخ في باب جنه الناقصين في العلم ونار القاصرين في العمل من الفساق وغيرهم وتبعه الغزالي على ما مر كما يظهر من كتبه ورسائله وقد نقلنا نبذا من كلامه في ذلك.
المقام الثالث في الاعتقاد بالصور الموعودة يوم المعاد وتوجيهه بأحد وجهين.
الأول ان تلك الصور المحسوسة المذكورة في لسان الشرع إشارة إلى صور (2) عقلية مفارقه واقعه في عالم العقول الصرفة حسب ما ذهب إليه أفلاطون وشيعته من أن