ان هذه الخمسة البدنية ترجع إلى حس واحد هو الحس المشترك فجميع حواس النفس وقواها المدركة والمحركة ترجع إلى قوه واحده هي ذاتها النورية الفياضة بإذن الله وبحوله وقوته ويصير حال رجوعها من هذا العالم إلى ذاتها ادراكها (1) للأشياء عين قدرتها فإذا كان رجوعها إلى ذاتها وهي بعد متصرفة في البدن بعض التصرف منشأ اختراع الصور على هذا المنوال فما ظنك إذا انقطعت العلائق والعوائق كلها ورجعت إلى ذاتها وذات مبدعها كل الرجوع ثم أولا تنظر ولا تتأمل في أن هذه النفوس الانسانية كلما كانت أتم قوه وأقوى تجوهرا كانت أقل مزاحمة ومعاوقة لقواها اما لفتورها وضعفها كما للمجانين والمرضى أو بسبب آخر قدسي كما للأنبياء والأولياء أو باستعمال أمور مدهشة للحواس محيرة لها كما للكهنة والسحرة كانت ملاقاتها للصور الغائبة ومشاهدتها إياها أقوى وتأثيرها رغبه ورهبه وتلذذا وتألما أكثر وأعظم وربما يوجد بعض النفوس المستعلية عن القيود الدنيوية النافضة عن أذيالنا غبار المحسوسات من الذين يلتفتون إلى اغراض هذا العالم ولا ينظرون إلى الدنيا الا بعين الاحتقار والاعتبار لا يشغلهم شان عن شان ولا يحجبهم مقام عن مقام ولا يلهيهم تجاره ولا بيع عن ذكر الله وتذكر عالم الآخرة فقوتهم يفي بضبط الجانبين وحفظ النشأتين فهي كالمبادئ الفعالة ذاتا وفعلا فتقدر على ايجاد أمور صورية ادراكية يكون ايجادها عين شهودها وربما يشغل بعض المكاشفين شهود صور ذلك الموطن عن شهود صور هذا الموطن في اليقظة وسلامه الآلات على عكس حال المحجوبين وإن كان ذلك (2) أيضا نوع حجاب لكنه نادر عزيز جدا حجبت عيونهم بالآخرة عن الدنيا فجميع ما ذكرناه من الأحوال انما يكون لظهور سلطان الآخرة على بعض النفوس بوجه من الوجوه فهذا أنموذج من معرفه أحوال الآخرة واحكامها للنفوس فكل نفس من النفوس إذا انقطع تعلقها عن البدن بالموت وخلت وبخراب البيت
(١٧٨)