وناشر الكتب والصحائف والرسائل يوم النشور وهو محصل ما في الصدور ومخرج ما في القبور وحقيقة البعث يرجع إلى احياء الموتى ونزع الصور من المواد واخراج الأرواح من الأجساد بانشائهم نشأة أخرى وتبديل وجودهم بوجود ارفع وأنور واعلم فان الجهل هو الموت الأكبر والعلم هو الحياة الأشرف وقد ذكر الله تعالى في كتابه العلم والجهل وسماهما حياه وموتا كما سماهما نورا وظلمه بقوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به الآية واعلم أن لكل نفس من نفوس السعداء في عالم الآخرة مملكة عظيمه الفسحة وعالما أعظم وأوسع مما في السماوات والأرضين وهي ليست خارجه عن ذاته بل جميع مملكته ومماليكه وخدمه وحشمه وبساتينه وأشجاره وحوره وغلمانه كلها قائمه به وهو حافظها ومنشئها بإذن الله تعالى وقوته ووجود الأشياء الأخروية وان كانت تشبه الصور التي يراها الانسان في المنام أو في (1) بعض المرايا لكن يفارقها بالذات والحقيقة اما وجه المشابهة فهو ان كلا منها بحيث لا يكون في موضوعات الهيولى ولا في الأمكنة والجهات لهذه المواد وان لا تزاحم بين اعداد الصور لكل منهما وان شيئا منهما لا يزاحم لشئ من هذا العالم في مكانه أو زمانه فان النائم ربما يرى أفلاكا عظيمه وصحارى واسعه ومفاوز نائية مثل الذي يراه في يقظة هذا العالم وهي مع كونها مغايرة لما في الخارج بالعدد لكن لا تزاحم ولا تضائق بينها فكذلك ما يراه الانسان بعد الموت وفي القبر لا تزاحم ولا تضائق بينه وبين هذه الأجسام فالميت يرى في قبره ما لا يسع فيه لو كان من اجرام هذا العالم واما وجه المباينة فهو ان نشأة الآخرة والصور الواقعة فيها قوية الجوهر شديده الوجود عظيمه التأثير الذاذا وايلاما وهي أقوى وأشد وآكد وأقوى من موجودات هذا العالم فكيف من الصور المنامية والمرآتية ونسبه النشأة الآخرة إلى الدنيا كنسبة الانتباه إلى نشأة النوم كما في قوله ع الناس نيام فإذا ماتوا انتهبوا وقد سبقت الإشارة إلى كيفية وجود الصور الأخروية في عده مواضع من هذا الكتاب
(١٧٦)