الجامعين بين الذوق والبرهان وهو الاذعان اليقيني بان هذه الصور التي أخبرت بها الشريعة وأنذرت بها النبوة موجودات عينية وثابتات حقيقية وهي في باب الموجودية والتحقق أقوى وأتم وأشد وأدوم من موجودات هذا العالم وهي الصور المادية بل لا نسبه بينهما في قوه الوجود وثباته ودوامه وترتب الأثر عليه وهي على درجات بعضها صور عقلية هي جنه الموحدين المقربين وبعضها صور حسية ملذة هي جنه أصحاب اليمين وأهل السلامة والمسلمين أو مؤلمة هي جحيم أصحاب الشمال من الفاسقين أو الضالين والمكذبين بيوم الدين ولكن ليست محسوساتها كمحسوسات هذا العالم بحيث يمكن ان يرى بهذه الابصار الفانية والحواس الداثرة البالية كما ذهب إليه الظاهريون المسلمون ولا انها أمور خيالية وموجودات (1) مثالية لا وجود لها في العين كما يراه بعض اتباع الرواقيين وتبعهم آخرون ولا انها أمور عقلية أو حالات معنوية وكمالات نفسانية وليست بصور واشكال جسمانية وهيئات مقدارية كما يراه جمهور المتفلسفين من اتباع المشائيين بل انما هو صور عينية جوهرية موجودة لا في هذا العالم الهيولاني محسوسة لا بهذه الحواس الطبيعية بل موجودة في عالم الآخرة محسوسة بحواس أخروية نسبه الحاس إلى الحاس كنسبة المحسوس إلى المحسوس وعالم الآخرة جنس لعوالم كثيره كل منها مع تفاضلها أعظم وأشرف من هذا العالم وكذلك للانسان وحواسه نشئات كثيره غير هذه النشأة الهيولية المستحيلة الكائنة الفاسدة ولذلك قال تعالى على أن نبدل أمثالكم وننشأكم فيما لا تعلمون وقال تعالى وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وقال تعالى بعد خلق النطفة والعلقة والمضغة وهي أطوار طبيعية مادية ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين إشارة إلى شرف نشأة الروح وقال تعالى وقد خلقكم أطوارا ثم نشأة الولاية لمن يفوز بها نشأة أخرى أعلى عن نشأة أصل الروح ثم نشأة النبوة وظهور خاصيتها أشرف من نشأة أصل الولاية والله تعالى منشئ النشآت وباعث الأموات
(١٧٥)