الأركان والأمشاج فليجز صدوره منه تارة أخرى على سبيل الانشاء مجردا عن الهيولى.
على انك قد علمت أن الايجاد مطلقا منه تعالى وان الوسائط هي مخصصات ومرجحات لايجاده أو جهات مكثرات لفعله وأفاضه وجوده ولكن ما هو أبسط في الوجود وارفع من الكثرة فهو أقرب إلى الموجد الحقيقي وقد أشرنا إلى أن وجود الأمور الأخروية أصفى من التركيب وأعلى من الامتزاج وأقرب إلى الوحدة الخالصة من هذه الأمور الدنيوية فكما ان فعله الخاص في الابتداء هو انشاء النشأة (1) الأولى لا تركيب المختلفات وجمع المتفرقات فكذلك حقيقة المعاد والفعل اللائق به انشاء النشأة الثانية وهو أهون عليه من ايجاد المكونات في الدنيا التي تحصل بالحركات من الأجساد والاستحالات في المواد لان الآخرة خير وأبقى وأدوم وأعلى وما هو كذلك فهو أولى وأنسب في الصدور عن المبدء الاعلى وأهون عليه تعالى كما قال وهو أهون عليه وله المثل الاعلى في السماوات والأرض.
واعلم أن الآخرية والثانوية انما هي بالقياس إلى حدوثنا والا فتلك النشأة هي في نفسها أقدم وأسبق لأنها ما قبل الطبيعة في ترتيب الوجود ذاتا وشرفا (2) وما بعد الطبيعة نظرا إلى حدوثنا (3) واستكمالاتنا فهذا أيضا يدل على أن الدار الآخرة موجودة بالفعل وان الجنة والنار مخلوقتان (4) الان كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة.
ومما يدل أيضا على أن ايجاد الأكوان الأخروية أشبه لسنه الله التي هي الابداع من ايجاد المكونات الدنيوية ان ايجاد هذه المواليد وتبليغها إلى كمالها حاصل