أحدهما اثبات ذلك من جهة المبدء الغائي ولزوم الغايات للطبائع الجوهرية الأصلية وثانيهما اثباته من جهة المبدء الفاعلي ولا شك ان البرهان الذي يكون الحد الأوسط فيه علة للنتيجة وهي ثبوت الأكبر للأصغر وهو المسمى ببرهان اللم أوثق من الذي يكون الأوسط معلولا للحكم المذكور وهو المسمى بالدليل ثم أوثق البراهين اللمية وأحكمها ما يجعل الوسط فيه سببا فاعليا أو سببا غائيا دون سائر الأسباب فاذن نقول الآيات التي فيها ذكرت النطفة وأطوارها الكمالية وتقلباتها من صوره انقص إلى صوره أكمل ومن حال أدون إلى حال أعلى فالغرض من ذكرها اثبات ان لهذه الأطوار والتحولات غاية أخيرة فللانسان توجه طبيعي نحو الكمال ودين إلهي فطري في التقرب إلى المبدء الفعال والكمال اللائق بحال الانسان المخلوق أولا من هذه المواد الطبيعية والأركان لا يوجد في هذا العالم الأدنى بل في عالم الآخرة التي إليها الرجعي وفيها الغاية والمنتهى فبالضرورة إذا استوفى الانسان جميع المراتب الخلقية الواقعة في حدود حركته الجوهرية الفطرية من الجمادية والنباتية والحيوانية وبلغ أشده الصوري وتم وجوده الدنيوي الحيواني فلا بد ان يتوجه نحو النشأة الآخرة ويخرج من القوة إلى الفعل ومن الدنيا إلى الأخرى ثم المولى وهو غاية الغايات منتهى الأشواق والحركات وهو المراد من قوله تعالى يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة إلى قوله وان الله يبعث من في القبور قبور الأجساد (1) وقبور الأرواح أعني الأبدان وكذا غيره من الآيات المذكورة فيها أطوار الخلقة وأكوان النطفة فان الغرض من الكل اثبات النشأة الآخرة للانسان من جهة ثبوت الغاية لوجوده وحركته الفطرية.
(١٥٩)