بالصورة الأولى حتى يكون المطلوب اثبات قدره الله في ذلك وجمله الامر ان هؤلاء القوم من أصحاب اللقلقة والكلام وأهل المجادلة والاختصام لم يعلموا ان مقصود التكاليف ووضع الشرائع وارسال الرسل وانزال الكتب ليس الا تكميل النفوس الانسانية وتخليصها عن هذا العالم ودار الأضداد واطلاقها عن أسر الشهوات وقيد الأمكنة والجهات وهذا التكميل والتجريد لا يحصلان الا بتبديل هذه النشأة الداثرة المتجددة إلى النشأة الباقية الثابتة وهذا التبديل إلى النشأة الباقية موقوف أولا على معرفتها والايمان بوقوعها وثانيا على أنها الغاية الأصلية المقصودة من وجود الانسان التي يتوجه إليها بمقتضى فطرتها الطبيعية لو لم ينحرف عن مسلكها بواسطة الجهالات وارتكاب السيئات وثالثا على العمل بمقتضاها وما يسهل السبيل إليها وتدفع القواطع المانعة عنها فالغرض الإلهي من هذه الآيات الدالة على حقيقة المعاد هو التنبيه على نحو آخر من الوجود والهداية إلى عالم غائب عن هذه الحواس باطن عن شهود الخلائق وهو مسمى بعالم الغيب وهذا بعالم الشهادة وهو عالم الأرواح وهذا عالم الأجساد وكما أن الروح باطن الجسد كذلك عالم (1) الآخرة باطن هذا العالم ثم لما كان اثبات نحو آخر من الوجود يخالف هذا الوجود الطبيعي الوضعي ونشأة أخرى باطنه تباين هذه النشأة الظاهرة أمرا صعب الادراك متعصيا على أذهان أكثر الناس جحدوه وأنكروه وأيضا لا لفهم بهذه الأجساد وشهواتها ولذاتها يصعب عليهم تركها وطلب نشأة تضاد هذه النشأة ولذلك لم يتدبروا في تحقيقها وكيفيتها بل أعرضوا عنها وعن آياتها كما قال تعالى وكأين من آية في السماوات والأرض
(١٥٧)