ثم انى قد صرفت قوتي في سالف الزمان منذ أول الحداثة والريعان (1) في الفلسفة الإلهية بمقدار ما أوتيت من المقدور وبلغ اليه قسطي من السعي الموفور واقتفيت آثار الحكماء السابقين والفضلاء اللاحقين مقتبسا من نتائج خواطرهم وأنظارهم مستفيدا من أبكار ضمائرهم وأسرارهم وحصلت ما وجدته في كتب اليونانيين والرؤساء المعلمين تحصيلا يختار اللباب من كل باب ويجتاز عن التطويل والاطناب مجتنبا في ذلك طول الامل مع قصر العمل معرضا من اسهاب الجدل مع (2) اقتراب الساعة و الاجل طلبا للجاه الوهمي وتشوقا إلى التراس الخيالي من غير أن يظفر من الحكمة بطائل أو يرجع البحث إلى حاصل كما يرى من أكثر أبناء الزمان من مزاولي كتب العلم والعرفان من حيث كونهم منكبين (3) أولا بتمام الجد على مصنفات العلماء منصبين بكمال الجهد إلى مؤلفات الفضلاء ثم عن قليل يشبعون عن كل فن بسرعة ويقنعون عن كل دن (4) بجرعة لعدم وجدانهم فيها ما حداهم (5) إليها شهواتهم شهوات العنين ودواعيهم دواعي الجنين (6) ولهذا لم ينالوا من العلم نصيبا كثيرا ولا الشقي الغوي منهم يصير سعيدا بصيرا بل ترى من المشتغلين ما يرجى (7) طول عمره في البحث والتكرار آناء الليل وأطراف النهار ثم يرجع بخفي حنين (8) ويصير مطرحا للعار والشين وهم المذكورون في قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
(٤)