السفر من الخلق إلى الحق اي من الكثرة إلى الوحدة وإذا وصل إلى عالم الوحدة واحتجب عن مشاهده الكثرة فحينئذ يستدل السالك بالسلوك العلمي من ذات الحق ووحدته على أوصافه وأسمائه وافعاله مرتبه بعد مرتبه ويعرف خواص وجوبه ووجوده مرتبه ومنتظمة وهذه المرتبة بمنزله السفر الثاني للسالك في السلوك الحالي الذي هو في الحق بالحق اما في الحق فظاهر لكون هذا السفر في صفات الحق وأسمائه وخواصه واما كونه بالحق لان السالك حينئذ متحقق بحقيقة الحق وغافل عن مشاهده أنيته وأنية جميع الكثرات والأعيان فان في ذاته وصفاته وأسمائه وباق ببقائه لا بابقائه فافهم ان كنت من أهل الاسرار وفي هذه المرتبة ربما انشرح صدر السالك عن الضيق والتزاحم وحلت عقود العجز عن لسانه بحيث يشاهد الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة ولا يحجبه مشاهده الوحدة عن مشاهده الكثرة ولا يشغله بالعكس ويصير جامعا لكلتا النشأتين وبرزخا بين المقامين وذلك لسعه دائره وجوده وانشراح صدره فحينئذ يصير قابلا لكونه معلما للناقصين ومرشدا لضعفاء العقول والنفوس ومنزله هذه المرتبة من السلوك الحالي والعلمي منزله السفر من الحق إلى الخلق بالحق وهو مرتبه النبوة والرسالة وفوق هذه المرتبة مرتبه أخرى أعلى وأكمل وأدق وأتقن وهي الاستدلال على وجود الحق ووجود غيره بالحق بحيث لا يكون الوسط في البرهان على وجوده ووجود غيره ويسمى هذا الاستدلال والبرهان باللم وطريقه الصديقين ولكن هذه المرتبة ليست موقوفة عليها للتعليم والارشاد والنبوة والرسالة بل هذه المرتبة كمال الانسان بالقياس إلى نفسه فقط ولا مدخليه لها للتعليم وان كانت هذه المرتبة لا تنفك عن المرتبة الثانية أيضا وهو السفر في الحق بالحق لان التحقيق بحقيقة الحق مستلزمة لهذا ولكن ليست هذه المرتبة موقوفة عليها للرسالة والتعليم بل الموقوف عليها فيهما هو المرتبة الأولى والثانية وهذه المرتبة منزلتها منزله السفر الرابع وهو بالحق في الخلق.
وكيفية انطباق الاسفار الأربعة المذكورة في الكتاب مع هذه المراتب الأربع هكذا ان الأمور العامة والجواهر والاعراض المبعوث فيها عن أحوال الموجودات والأعيان والماهيات ظاهره بأنها هو السفر الأول اي من الخلق إلى الحق والإلهي المبعوث فيه من اثبات الحق وصفاته وأسمائه وافعاله هو السفر الثاني الذي في الحق بالحق ولكن هذا السفر الثاني متضمن بالسفر الرابع أيضا الذي هو بالحق في الخلق كما لا يخف على من تتبع البحث الإلهي لما ذكر فيه طريقه الصديقين في اثبات واجب الوجود والاستدلال بوجوده على وجود غيره من معلولاته والسفر الثالث وهو سفر النفس وهو العلم بأحوال النفس من مبدء تكونها إلى غاية رجوعها إلى الحق من حد النقص إلى غاية الكمال ومن حد الضعف إلى القوة وهو السفر الثالث وهو من الحق إلى الخلق بالحق فافهم جميع ما ذكرناه.
انتهى ما افاده العلامة ميرزا محمد حسن النوري بن الحكيم الإلهي المولى على النوري قدس الله أسرارهما في تحقيق الاسفار الأربعة السلوكية وكيفية انطباقها على التي رتب المصنف كتابه عليها.