فان الحرارة النارية تفعل في جرم من الاجرام بان تضع فيه مثالها وهو السخونة وكذلك سائر القوى من الكيفيات والنفس الناطقة انما تفعل في نفس ناطقه أخرى مثلها بان تضع فيها مثالها وهي الصورة العقلية المجردة والسيف انما يضع في الجسم مثاله وهو شكله والمسن انما يحدد السكين بان تضع في جوانب حده مثال ما ماسه وهو استواء الاجزاء وملاستها انتهى كلامه وقال بعض العرفاء ان كل معلول (1) فهو مركب في طبعه من جهتين جهة بها يشابه الفاعل ويحاكيه وجهه بها يباينه وينافيه إذ لو كان بكله من نحو يشابه نحو الفاعل كان نفس الفاعل لا صادرا منه فكان نورا محضا لو كان بكله من نحو يباين نحو الفاعل استحال أيضا ان يكون صادرا منه لان نقيض الشئ لا يكون صادرا عنه فكان ظلمه محضه والجهة الأولى النورانية يسمى وجودا والجهة الأخرى الظلمانية هي المسماة ماهية وهي غير صادره عن الفاعل لأنها الجهة التي تثبت بها المباينة مع الفاعل فهي جهة مسلوب نحوها عن الفاعل ولا ينبعث من الشئ ما ليس عنده ولو كانت منبعثة عن الفاعل كانت هي جهة الموافقة فاحتاجت إلى جهة أخرى للمباينة فالمعلول من العلة كالظل من النور يشابهه من حيث ما فيه من النورية ويباينه من حيث ما فيه من شوب الظلمة (2) فكما ان الجهة الظلمانية في الظل ليست فائضة من النور ولا هي من النور لأنها تضاد النور ومن اجل ذلك توقع المباينة فكيف تكون منه فكذلك الجهة المسماة ماهية في المعلول.
فثبت صحه قول من قال الماهية غير مجعوله ولا فائضة من العلة فان الماهية ليست الا ما به الشئ شئ فيما هو ممتاز عن غيره من الفاعل ومن كل شئ وهو الجهة الظلمانية المشار إليها التي تنزل في البسائط منزله المادة في الأجسام.
وقد أشار إلى ثبوت هذا التركيب في البسائط الشيخ الرئيس في الهيات الشفا