في رتبه الوجود تاليه وما من دابة فما دونها الا ومن شانها البلوغ إلى أقصى ما لها في ذاتها ما لم يعقها عائق ولنوع الانسان كمال خاص لجوهر ذاته وحاق حقيقته لا يفوقها فيه فائق ولا يسبق به عليها سابق وهو الاتصال بالمعقولات ومجاورة الباري والتجرد عن الماديات وان كانت له مشاركه بحسب كل قوه توجد فيه لما يساويه من تلك الجهة أو يليه فلسائر الأجسام في حصوله في الحيز والفضاء وللنبات في الاغتذاء والنماء وللعجم من الحيوان في حياته بأنفاسه وحركته بإرادته واحساسه وتلك الخاصية انما تحصل بالعلوم والمعارف مع انقطاع عن التعلق بالزخارف.
ثم لما كانت العلوم متشعبه وفنون الادراكات متكثرة والإحاطة بجملتها متعذرة أو متعسرة ولذلك تشعبت فيه الهمم كما تفننت في الصنائع قدم أهل العالم فافترقت العلماء زمرا وتقطعوا امرهم بينهم زبرا بين معقول ومنقول وفروع وأصول فهمه نحو نحو وصرف واحكام (1) وهمه نحو فقه ورجال وكلام.
فالواجب على العاقل ان يتوجه بشراشره إلى الاشتغال بالأهم والحزم له ان يكب طول عمره على ما الاختصاص لتكميل ذاته فيه أتم بعد ما حصل له من سائر العلوم والمعارف بقدر الحاجة إليها في المعاش والمعاد والخلاص عما يعوقه عن الوصول إلى منزل الرشاد ويوم الميعاد وذلك هو ما يختص من العلوم بتكميل احدى قوتيه اللتين هما جهة ذاته ووجهه إلى الحق وجهه اضافته ووجهه إلى الخلق وتلك هي النظرية التي بحسب حاق جوهر ذاته من دون شركه الإضافة إلى الجسم وانفعالاته وما من علم غير الحكمة الإلهية والمعارف الربانية الا والاحتياج اليه بمدخلية الجسم وقواه ومزاولة البدن وهواه وليس من العلوم ما يتكفل بتكميل جوهر الذات الانسية وإزالة مثالبها ومساويها حين انقطاعها عن الدنيا وما فيها والرجوع إلى حاق حقيقتها والاقبال بالكلية إلى باريها ومنشئها وموجدها ومعطيها الا العلوم العقلية المحضة