يقول ذلك البعض:
" نلاحظ، في المقارنة بين الرجل والمرأة اللذين يعيشان في ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية متشابهة، أنه من الصعب التمييز بينهما؛ إذ ليس من الضروري أن يكون وعي الرجل للمسألة الثقافية والاجتماعية والسياسية أكثر من وعي المرأة لها، بل قد نجد نماذج متعددة لتفوق المرأة على الرجل في سعة النظرة، ودقة الفكر، وعمق الوعي، ووضوح الرؤية، وذلك من خلال ملاحظة بعض العناصر الداخلية أو الخارجية المميزة لها بشكل خاص. وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف الملائمة لنشأتها العقلية والثقافية والاجتماعية. فقد استطاعت أن تؤكد موقعها الفاعل ومواقفها الثابتة المرتكزة إلى قاعدة الفكر والإيمان، وهذا ما حدثنا الله عنه في شخصية مريم، وامرأة فرعون، وما حدثنا التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى (رض) وفاطمة الزهراء (ع) والسيدة زينب ابنة علي (ع).
إن المواقف التي تمثلت، في حياة هؤلاء النسوة العظيمات، تؤكد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي ملأت حياتهن على مستوى حركة القوة في الوعي والمسؤولية والمواجهة للتحديات المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرق بأية ميزة عقلية، أو إيمانية، في القضايا المشتركة بينهن وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهن.
وإذا كان بعض الناس يتحدث عن بعض الخصوصيات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والالتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النمو الذاتي. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي، مع ملاحظة أن الله، سبحانه وتعالى، تحدث عن اصطفاء إحدى النساء، وهي مريم، عليها السلام، من خلال الروحانية التي تميزها والسلوك المستقيم في طاعتها لله. وهذا واضح في ما قصه الله من ملامح شخصيتها، عندما كفلها زكريا، وعندما واجهت الموقف الصعب في حملها لعيسى عليه السلام، وفي ولادتها له.
وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله إليها فإن ذلك لا يمثل حالة غيبية في الذات بل يمثل لطفا إلهيا في التوجيه العملي والتثبيت الروحي، على أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي