فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: القول ما قال أبو ذر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبيه: ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم، فقال أبوه (عليه السلام): إليك عني لا أجد منها بدا إلى غير ذلك من النصوص المعلوم رجحانها على الأولى بالأصل والعمل ومخالفة العامة وغير ذلك، فاتجه حينئذ حملها على الندب.
بل ربما توقف فيه بعضهم، لظهور هذه النصوص في خروج تلك مخرج التقية، لكن فيه أنه بعد التسليم لا تنافي بين ذلك وبين الندب على أن تكون التقية حينئذ بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجية، ومراعاة للجمع بين التقية والواقع، ودعوى أن المراد من ذلك الأمر الوجوب تقية فلا دليل على الندب حينئذ يدفعها أصالة حجية قول المعصوم (عليه السلام)، وأنه في بيان حكم شرعي واقعي، وكما أن التقية يقتصر فيها على أقل ما يندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم (عليه السلام) يقتصر فيه على أقل ما يمكن من إرادة التقية منه، ومن ذلك ما نحن فيه ضرورة إمكان كون التقية في ذلك التعبير الذي ذكرناه، فيبقى الأمر حينئذ على قاعدة إرادة الندب منه بعد معلومية عدم إرادة الوجوب، كما هو واضح، والله أعلم.
(و) كذا تستحب (في الخيل الإناث) إجماعا محصلا ومحكيا في الخلاف والغنية والتذكرة، وهو المراد من صحيح محمد بن مسلم وزرارة (1) عنهما (عليهما السلام) قالا: " وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، وجعل البرازين دينارا " وصحيح زرارة (2) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في البغال شئ فقال: لا، فقلت: كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال: لأن البغال لا تلقح، والخيل الإناث ينتجن، وليس على الخيل