منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ٩٥
نعم لولا الداعي النفساني إلى الترك لكان المكلف منزجرا بالاستناد إلى النهي الإلهي، الا أن ذلك استناد تعليقي لا عبرة به، إذ الموجب لكمال النفس هو الاستناد الفعلي كما لا يخفى.
وأما الوجه الثالث - وهو كون القضايا الشرعية كالقوانين العرفية و ليست أحكاما شخصية - ففيه أولا: أن القضايا الشرعية الكلية إما من القضايا الحقيقية التي ينشأ الحكم فيها على الموضوع المفروض وجوده، وإما من القضايا الطبيعية التي ينشأ الحكم فيها على الطبيعة ويثبت للافراد من باب الانطباق، فخطاب (كتب عليكم الصيام) مثلا إنشاء لوجوب الصيام على المؤمن الذي له وحدة نوعية، وهذا الخطاب وان كان واحدا، لكنه يشمل كل فرد من أفراد المكلفين إما لكون القضية حقيقية، واما لانطباق الطبيعة عليه. وبعد اختصاص كل مكلف بخطاب يعود ما تقدم من المحذور.
ومجرد تبعية الاحكام للملاكات التي لا دخل لعلم المكلف وجهله و قدرته وعجزه فيها لا ينفع شيئا، إذ الكلام في استهجان خطاب التارك للمنهي عنه بطبعه لا في وجود المناط في الخارج عن الابتلاء، فإنه ليس محل البحث.
وثانيا: أنه - مع تسليم كفاية انبعاث الغالب أو العدد المعتد به و انزجاره في صحة إنشاء الخطاب القانوني - لا يسند به باب النقض ببعض ما يعلم بضرورة الفقه حرمته شرعا مع عدم ميل جل الناس - بل كلهم - إلى ارتكابه لولا طروء العنوان الثانوي، نظير أكل الميتة التي صارت جيفة، فان من له أدنى مسكة يتنفر عنها بالطبع قطعا، فيلزم عدم جعل حرمة أكلها لهؤلاء، ومن المعلوم أنه مخالف لما يعلم من الدين ضرورة، ونظيره من الاحكام التي لا تؤثر في إرادة المكلف و كراهته غير عزيز.
وقد تحصل: أن محذور الاستهجان العرفي في الخطاب بالخارج عن الابتلاء