منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ٩٢
الثالث: أن قبح التكليف بالخارج عن الابتلاء انما هو في الخطابات الشخصية المتوجهة إلى آحاد المكلفين، كما إذا خوطب زيد وعمرو بوجوب الاجتناب عن الخمر الموجود في بلاد الكفر، وأما الأحكام الشرعية التي هي أحكام كلية مجعولة على الجميع نظير القوانين العرفية المجعولة لحفظ النظام، فليس فيها الا خطاب واحد قانوني يعم المكلفين المختلفين حسب الحالات والعوارض، ولا يقدح في صحة خطاب (يا أيها الذين آمنوا) و (يا أيها الناس) عجز بعضهم عن الامتثال فالحكم فعلي في حق الجميع، غير أن العجز والجهل عذر عقلي مانع عن تنجز التكليف في حق العاجز والجاهل، والملاك في صحة الخطاب صلوحه لبعث عدد معتد به لا تمامهم، والاستهجان انما يلزم لو علم المتكلم بعدم تأثير ذلك الخطاب العام في كل المكلفين. وعليه فلا تتقيد التكاليف الشرعية بالدخول في محل الابتلاء.
هذه عمدة ما ظفرنا عليه من الوجوه لعدم اعتبار الابتلاء في فعلية التكاليف.
وفي المسألة بعض الوجوه الأخرى مثل ما اعتمد عليه المحقق النائيني (قده) في دورته الأولى من تمامية الملاك في صورة عدم الابتلاء أيضا. لكنه عدل عنه في دورته الأخيرة. وهو الحق، لعدم كون الملاك غير المطالب بسبب الخروج عن محل الابتلاء مثلا موضوعا لاستحقاق المؤاخذة على مخالفته، فتأمل.
وكذا ما أفاده المصنف في الفوائد من أن خطاب (لا تشرب الخمر) بوجوده الانشائي شامل للداخل في الابتلاء والخارج عنه، لأنه خطاب عام على نحو القاعدة والقانون، الا أنه لا يكون تحريما وزجرا فعليا إلا عما كان مورد الابتلاء. ويكفي في صحة التحريم الانشائي وجود المقتضي للتحريم وان لم تتحقق العلة التامة، فمرتبة من الحكم يشترك فيها الجميع ومرتبة أخرى تختص ببعضهم.