ثم انه لا بد من الإشارة إلى ضابط الحكومة وأخواتها حتى يتضح الحال، فنقول وبه نستعين: ان أخصر بيان وأوضحه وأسده في تحديدها أن يقال: ان الخارج عن موضوع دليل لا يخلو إما أن يكون خروجه عنه بالتكوين كخروج الجاهل عن موضوع دليل وجوب إكرام العلماء، وهذا يسمى بالتخصص.
وإما أن يكون بالتشريع، وهو إما بلسان (المعارضة كخروج زيد العالم عن دليل وجوب إكرام العلماء بلسان (لا تكرم زيدا العالم) و هذا يسمى بالتخصيص، وإما بغير لسان المعارضة، وهو تارة يكون بنفس التعبد والحجية، كخروج مشكوك الحكم كشرب التتن بنفس إيجاب الاحتياط عن موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فان نفس تشريع إيجابه من دون إحراز الحكم الواقعي به يوجب خروج مشكوك الحكم عن حيز قاعدة القبح، وهذا يسمى بالورود.
وأخرى لا يكون بنفس التعبد، بل بإثباته للمؤدى أي إحرازه له من دون لسان المعارضة. كما في قيام الأدلة غير العلمية على حكم كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فإنه يخرج عن موضوع أدلة البراءة الشرعية بثبوت الوجوب له بقيام خبر الواحد عليه، وهذا يسمى بالحكومة، فيعتبر فيها أمور: الأول التعبد، الثاني: عدم كونها بلسان المعارضة، الثالث: كون تقدم الحاكم على المحكوم بالدلالة اللفظية لا بالحكم العقلي.
ويتحقق هذه الدلالة بتصرف الحاكم إما في حكم دليل المحكوم، كما إذا قال: (الامر في اغتسل للجمعة ليس للوجوب) إذ لم يصدر لبيان الحكم الواقعي، بل صدر تقية، أو وجوب الوضوء عند الضرر أو الحرج مرفوع، حيث إن إطلاق الوجوب لجميع الحالات متفرع على وجوده، والدليل القائم على عدم جعله في حال الضرر حاكم على ذلك، لأنه يتكفل لكيفية جعله، وأنه منفي حال الضرر، ونفس الوجوب لا يتكفل لذلك.