وإما في متعلق حكمه كقوله: (الوضوء الضرري ليس بوضوء) ويكون هذا تصرفا في عقد الوضع، وكذا الاكرام المأمور به في (أكرم العلماء) ليس هو تقبيل أيديهم والتواضع لهم، بل هو إطاعة أوامرهم ونواهيهم.
وإما في موضوع حكمه، كقوله: (زيد ليس بعالم) مع كونه عالما بعد إيجاب إكرام العلماء، أو (المال المدفوع إلى الفقير زكاة ليس بزكاة ان لم يكون بقصد القربة) أو (شك كثير الشك ليس بشك أخذ موضوعا لاحكام) إلى غير ذلك من النظائر.
وبالجملة: فتقدم الحاكم على المحكوم مستند إلى دلالة لفظية بأحد أنحائها المتقدمة، بخلاف تقدم الخاص على العام، فان تقدمه عليه انما هو بحكم العقل من دون دلالة لفظ أحدهما على الجمع بينهما، فان العقل يجمع بين (أكرم الأمراء) و (لا تكرم زيدا الأمير) اللذين يؤولان بعد انحلال الأول إلى قضيتين متعارضتين لا نظر لاحداهما إلى الأخرى وهما (أكرم زيدا ولا تكرم زيدا) بتقديم الثاني على الأول لأخصيته.
فالحكومة والتخصيص يشتركان في كون الخروج في كليهما بعناية التعبد، وفي الاحتياج إلى إثبات المؤدى، ويفترقان في أمرين أيضا:
أحدهما: أن الحاكم متفرع على المحكوم، لأنه ناظر إليه وشارح له، بخلاف الخاص، فإنه ليس متفرعا على العام، فيصح أن يقال: (لا تكرم زيدا الأمير) وان لم يكن هناك عام وهو (أكرم الأمراء).
والاخر: كون لساني الخاص والعام لسان المعارضة، ولساني الحاكم والمحكوم لسان الملامة والمسالمة كما عرفت في الأمثلة المتقدمة، بداهة عدم المعارضة بين (لا شك لكثير الشك) وبين (إذا شككت بين الثلاث والأربع فابن علي الأربع) حيث إن الدليل المحكوم يدل على ثبوت الحكم على تقدير وجود