منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ٤٦٣
يمكن في الأحكام الشرعية، ويكفي شاهدا عليه في الخارجيات ملاحظة بعض المعاجين التي يصفها الأطباء للمرضى، فرب معجون واجد لصفة كذائية يوجب استئصال مادة المرض كلية، ومعجون آخر يرفع المرض إلى مرتبة، وكل منهما لترتب الفائدة عليه واجدا للمصلحة قطعا، ولكن باستعمال الثاني يسقط مزاج المريض عن الاستعداد و الصلاحية لاستعمال المعجون القائم به الملاك الأتم.
وهذا بعينه جار في الأحكام الشرعية، والكاشف عن تضاد الملاكات هو الخطابات، ونصوص الباب تشهد به، إذ قوله عليه السلام:
(تمت صلاته ولا يعيد) مع فرض بقاء الوقت وإمكان الاتيان بالوظيفة الأولية يدل على عدم المصلحة فيه، وأنها قد استوفيت ولو بمعظمها لا بتمامها، فلا بد أن يكون عدم الإعادة مستندا إلى سقوط الامر، لتبعيته ثبوتا وسقوطا لملاكه، والمفروض وقوع أحد الفعلين القائم به أحد الملاكين دون الفعل الاخر القائم به الملاك الاخر الذي فات باستيفاء ذاك الملاك، ويجري هذا الكلام في تمام موارد أجزأ غير المأمور به عن المأمور به.
والحاصل: أن التزاحم والتضاد بين الملاكات أمر واقع فضلا عن كونه ممكنا وليس من الأمور المستبعدة كأنياب الأغوال.
وأما الاشكال الثاني، فهو انما يرد على من يدعي الارتباطية بين مصلحة صفة الجهر في القراءة وبين مصلحة ذات القراءة، أو من يلتزم باستقلال الملاكين، لكن يتعدد الخطاب بكل منهما ولو بالترتب. وأما المصنف (قده) فقد عرفت في توضيح كلامه أنه لا يقول إلا بوجوب الصلاة الجهرية مثلا، والاخفاتية غير واجبة وانما هي مسقطة لما هو الواجب، ومزاحمة لملاك الصلاة الجهرية ومانعية عن استئفاء الغرض القائم بها.