ومن المعلوم ان البحث عن ذلك لا ربط له بأحوال فعل المكلفين وعوارضه بلا واسطة وما يوهمه ظاهر كلمات كثير من الأصحاب، حيث إنهم عنونوا المسألة بنحو تكون فقهية، فلابد من الحمل على إرادة الاهتمام بشأن الوجوب، والا فمحط بحثهم ثبوت الملازمة، وعدمه، ولذا لم يعقدوا لمسألة استحباب مقدمة المستحب بحثا خاصا، بل انما يحكمون باستحباب مقدمة المستحب بملاك حكمهم في مقدمة الواجب بالوجوب، وذلك كاشف عن أن نظر هم إلى الملازمة بين الحكمين.
وقد يقال انها من المبادئ الأحكامية وهي المسائل التي تكون محمولاتها من عوارض الأحكام التكليفية أو الوضعية كتضاد الاحكام وملازمة بعضها لبعض، والبحث عن وجوب المقدمة من هذا القبيل، فإنه يبحث في هذه المسألة عن ملازمة وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة.
وفيه: انه لا مانع من كون المسألة فيها جهتان يوجب كل منهما تعنونها بعنوان مستقل، وهذه المسألة كذلك، فهي من حيث وقوع نتيجتها في طريق الاستنباط كما سيمر عليك من المسائل الأصولية، وان كانت فيها جهة مقتضية لكونها من المبادئ الأحكامية.
وقد يقال انها من المبادئ التصديقية فان موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة ومنها حكم العقل، والمراد منه اذعان العقل بشئ فلا محالة تكون المسألة الأصولية هي ما يبحث عن لواحق حكم العقل، واما ما يبحث فيه عن نفس حكم العقل فهو بحث عن ذات الموضوع لاعن عوارضه، وحيث إن المبحوث عنه في هذه المسألة الملازمة العقلية بين الوجوبين نفسها فيه من المبادئ التصديقية.
وفيه: ما مر في أول الأصول من أن موضوع علم الأصول ليس هو الأدلة الأربعة بل المسألة الأصولية هي ما يقع نتيجتها في طريق الاستنباط كانت باحثة عن عوارض الأدلة الأربعة أم لا. ومسألة الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة من هذا القبيل. وبما ذكرناه ظهر ان المسألة من المسائل الأصولية فإنه يستنبط من هذه المسألة الحكم الشرعي وتقع نتيجة هذه المسألة في طريق الاستنباط من دون حاجة إلى ضم مسألة أصولية أخرى واستفادة الحكم منها انما هو من باب الاستنباط لامن باب التطبيق.