واما الثاني: فوضوح وجه النظر فيه يتوقف على بيان مقدمات.
الأولى: ان الامر المتعلق بمركب اعتباري من الموجودات المتعددة ينحل إلى أوامر عديدة: فان الامر ليس الا ابراز شوق المتكلم بتحقق المأمور به، فإذا كان له وجودات متعددة فلا محالة يكون كل موجود متعلقا لشوق المولى المبرز بالامر، فيكون كل جزء محكوما بحكم، غاية الامر حيث تكون المصلحة المترتبة عليها واحدة وهي لا تستو في الا باتيان جميع الاجزاء، فلا محالة يكون لهذه الأحكام المتعددة، امتثال واحد، وعصيان واحد، فتكون ارتباطية.
الثانية: ان المتعلق للامر ان كان واجبا توصليا، واتى المكلف ببعض تلك الأجزاء بداعي القربة، وببعضها الاخر لا بداعي القربة، يثاب على اتيانه بما قصد به الامتثال، ولا يتوقف ذلك على اتيان الجميع بداعي امتثال الامر كما لو كان الداعي لغسل الثوب مقدمة للصلاة، في الغسلة الأولى هو امر المولى، وفي الغسلة الثانية غيره.
الثالثة: انه ربما يكون بعض اجزاء المأمور به تعبديا وبعضها توصليا، نظير ما لو نذر ان يصلى في هذه الليلة، صلاة الليل، وبكرم العالم بنحو يكون المجموع متعلقا لنذر واحد: فان جزء المأمور به بالامر الوجوبي، وهي الصلاة، تعبدي، وجزئه الاخر وهو اكرام العالم، توصلي، بل الظاهر أن أكثر الواجبات التعبدية كذلك، باعتبار أكثر شروطها، الا ترى: ان الصلاة التي هي من الواجبات التعبدية مشروطة بالاستقبال والتستر الذين هما واجبان توصليان فيها، فلو ستر لا لقصد الامر صحت صلاته، ودعوى: ان لازم ذلك كون الامر الواحد تعبديا وتوصليا: وذلك كاستعمال الفظ في أكثر من معنى بل أردأ منه، مندفعة: بما عرفت من أن الوجوب في التعبدي والتوصلي واحد، ولا اختلاف فيه، وانما الاختلاف بينهما يكون من ناحية الغرض المترتب على الواجب فالتعبدي والتوصلي عنوانان طارئان عليه باعتبار ذلك لا انهما من الخصوصيات الذاتية الموجبة لتعدد الامر.
إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم، انه يمكن ان يؤخذ، قصد الامر في المتعلق من دون ان يلزم هذا المحذور: إذ المأمور به حينئذ شيئان، أحدهما الصلاة التي هي من الافعال الجوارحية، والثاني قصد الامر الذي هو فعل جانحي، وكل منهما له امر خاص