عن هذا النوع منه تعبير آخر عن الدعوة إلى الجمود وإماتة الفكر والنظر في شؤون الدين، وهو ما ينافي الدعوة إلى تدبر ما في القرآن والنظر إلى آياته، بل ينافي الدعوة إلى تدبر ما في الكون والحث على استعمال العقل، وهو ما طفحت به كثير من الآيات والأحاديث، لان طبيعة التدبر واستعمال الفكر تدعو إلى اختلاف الرأي.
فالاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف الذي يدعو إلى التفرقة وتشتيت كلمة الأمة، أي الاختلاف الذي يستغل عاطفيا لتفرقة الشعوب لا الاختلاف الذي يدعو إليه البحث الموضوعي وهو من أسباب الألفة والتعاطف بين أربابه، ففي الاستدلال خلط بين نوعي الاختلاف.
ومع التغافل عن هذه الناحية فان دعواه بان رعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه فهو سبب الاتفاق - لا أعرف لها وجها، لان المصالح الحقيقية التي يتطابق عليها العقلاء محدودة جدا، وما عداها كلها موضع خلاف بل هي نفسها موضع لخلاف كبير في مواقع تطبيقها كما سبق بيانه في مبحث العقل فكيف يكون النظر فيها موضعا لاتفاق الكلمة وبخاصة إذا وسعنا الامر إلى عوالم الظنون بها والأوهام، وهل تكفي مواضع الاتفاق منها لإقامة شريعة إذا تجردنا عن النصوص.
وبهذا يتضح الجواب على ما أورده على نفسه من اشكال وأجاب عليه، فكون الاختلاف رحمة وسعة مما لا اشكال فيه أصلا إذا كان في حدود البحث الموضوعي، والذي يدل عليه كل ما يدل على وجوب المعرفة المستلزمة حتما للاختلاف من آيات وأحاديث، ومعارضتها بمفسدة الاخذ بالرخص لا تعتمد على أساس.
فالآخذون بالرخص اما ان يكونوا معتمدين على حجة كأن يكون هناك مرجع مستوف لشرائط التقليد يسيغ لهم ذلك، فالأخذ بها لا يشكل