الذي يشكل الخطر على الدين لفسحه المجال للتلاعب بالشريعة، ومسخ أحكامها باسم مخالفة القياس، ومن الطبيعي ان يقف منه أهل البيت وبخاصة الإمام الصادق الذي انتشر هذا النوع من القياس على عهده موقفهم المعروف، والحق كما يقول الامام: (ان السنة إذا قيست محق الدين) وقد سبق أن قلنا في مبحث العقل: أن مسرحه في إدراك علل الاحكام محدود جدا، ففتح الباب له على مصراعيه يشكل الخطر العظيم على الشريعة، وهذا معنى قول الإمام (عليه السلام) أن دين الله لا يصاب بالعقول، أي ما ثبت أنه دين لا يمكن ان تدرك جميع علله العقول، والشق الثاني من الرواية - ولعلها رواية أخرى - وهي التي تكفل ذكرها ابن شبرمة، منصب على تعجيز العقل عن التعرف على علل الاحكام بعيدا عن الشرع كما يتضح من النقوض التي ذكرها الامام عليه، وهو الذي يناسب القياس بالمعنى الأول، ونظائر هذه الرواية كثيرة، وهي معروضة في جل كتب الأصول الشيعية الباحثة عن القياس.
ونسبة ما دل على حجية الظواهر إلى الأدلة الرادعة عن النوعين معا، هي نسبة العموم والخصوص من وجه، لان الأدلة الرادعة تشمل القياس المنصوص العلة ومستنبطها، وأدلة حجية الظواهر تشمل القياس المنصوص العلة وغير القياس، فمورد الاجتماع هو القياس المنصوص على علته، ومقتضى القاعدة التعارض والتساقط فيه ثم الرجوع إلى أصالة عدم الحجية، لان الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها، كما سبق القول فيه.
ولكن التعارض إنما يتم إذا لم يمكن الاخذ بالدليلين معا وتم تدافعهما في مورد الاجتماع، أما إذا أمكن الاخذ بهما فلا مجال للتعارض والتساقط.
والذي أعتقده أنه لا تدافع بين هذين النوعين من الأدلة، لان القياس المنصوص العلة إن قلنا بأنه ليس بقياس، كما ذهب إلى ذلك كثير من