(دخلت على جعفر بن محمد أنا، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه، - إلى أن يقول والحديث طويل نقتصر منه على موضع الحاجة -: يا نعمان، حدثني أبي عن جدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم، فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيمة بإبليس، لأنه أتبعه بالقياس (1)). ثم قال له جعفر - كما في رواية ابن شبرمة - (أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس. قال: فإن الله عز وجل، قبل في قتل النفس شاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، ثم قال: أيهما أعظم: الصلاة أم الصوم؟ قال الصلاة، قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك (2)).
وهذه الرواية مع تتمتها منصبة على الردع عن نوعي القياس، فمن استشهاده بقياس إبليس وهو الذي تمرد على الامر بالسجود لأنه - على خلاف قياسه - لتخيله أن الامر بالسجود يقتضي ان يبتنى على أساس التفاضل العنصري، وخطأ الحكم الشرعي على هذا الأساس لاعتقاده بأنه أفضل في عنصره من آدم لكونه مخلوقا من نار وهو مخلوق من طين. أقول: من هذا الاستشهاد ندرك الردع عن النوع الثاني من القياس، كما أن رواية أبان السابقة منصبة في ردعها على هذا النوع بقرينة تكذيبه للحديث ونسبة مضمونه إلى الشيطان، لأنه ورد على خلاف قياسه، وهذا النوع هو