ما هو معروف من معناهما انه بمعنى التأثير والايجاد، فإنه من البديهي انه لا علية ولا اقتضاء لعناوين الأفعال في أحكام العقلاء إلا من باب علية الموضوع لمحموله (1)).
وبهذا العرض - فيما اعتقد - يتضح الجواب على استدلالهم هذا بأنه (لو كان الحسن والقبح من الصفات الذاتية، لكان ذلك مضطردا)، لان هذا الاشكال لا يتم إلا على مبنى من يذهب إلى أن الحسن والقبح لا يكونان إلا ذاتيين - ولست أعرف قائلا به على التحقيق - ومثل هذا الدليل يصلح للنقض إذا أريد اثبات الذاتية لهما على سبيل الموجبة الكلية. أما على ما ذكرناه من التقسيم فلا يبقى له موضوع، والأمثلة التي ذكرها مما تنتظم في القسم الثاني، أي ما فيه اقتضاء التأثير لا عليته.
والذي يبدو أن المستدل ينطوي في أعماقه على الايمان بالحسن والقبح العقليين وإن لم ينتبه لذلك تفصيلا وتعبيره بأن (الكذب قد يكون قبيحا وقد يكون حسنا بل يكون واجبا) من إمارات ذلك الانطواء، وإلا فما معنى حكمه على الكذب بالقبح أو الحسن إن لم يكن هناك حسن وقبح عقليان!.
3 - قولهم: (لو قيل: إن الحسن والقبح عقليان للزم أن يكون الشارع الحكيم مقيدا في تشريعه للاحكام بهذه الأوصاف وإلا لكان التشريع مخالفا للمعقول، وهذا نفسه قبح ينزه الله عنه (2)).
وبطلان اللازم في هذا الكلام لا أكاد أفهم له وجها ولا أعرف السر في نسبته إلى القبح.
وما هو المحذور في أن تكون تشريعاته - عز وجل - جارية على وفق المعقول؟! وهل ينتظر المستدل أن يجري في تشريعه على غير المعقول مع نسبته إلى الحكمة في لسان الدليل.