ثانيها: ما فيه اقتضاء التأثير أي لو خلي وطبعه لكان مؤثرا، ومثاله الصدق والكذب، فالصدق بما هو صدق فيه اقتضاء التأثير في إدراك العقلاء بأنه مما ينبغي ان يفعل ويمدحون فاعله عليه بخلاف الكذب فإنه مذموم لديهم، ولكن هذا التأثير لا يتم عادة مع وجود مزاحم له يمنع من تأثيره نظرا لأهميته كأن يكون في الصدق ما يوجب قتل النفس المحترمة، أو انتهاك عرض، أو تسلط ظالم على مؤمن وهكذا.
ثالثها: ما ليس فيه اقتضاء ولا علية، فهو فاقد للتأثير لو خلي ونفسه، ولكنه يتقبل العناوين الاخر فقد يأخذ عنوانا له علية التأثير في الحسن فيكون حسنا أو القبح فيكون قبيحا، وأكثر المباحات الشرعية من هذا القبيل، فشرب الماء مثلا لو لوحظ بمعزل عن أي عنوان آخر قد لا يكون له التأثير في إدراك العقلاء لحسنه أو قبحه لا على نحو العلية ولا على نحو الاقتضاء، فوجوده لدى العقلاء كعدمه، ولكنه إذا عرض عليه عنوان انقاذ حياة صاحبه أو عرض عليه عنوان هلاكه، كما لو كان ممنوعا عن شربه يكون علة في إدراك العقلاء لحسنه أو قبحه.
وعلى هذا فمعنى (كون الحسن أو القبح ذاتيا: ان العنوان المحكوم عليه بأحدهما بما هو في نفسه وفي حد ذاته، يكون محكوما به لا من جهة اندراجه تحت عنوان آخر، فلا يحتاج إلى واسطة في اتصافه بأحدهما (1)). ومعنى العلية والاقتضاء هنا هو (أن المراد من العلية أن العنوان بنفسه هو تمام موضوع حكم العقلاء بالحسن أو القبح، وأن المراد من الاقتضاء أن العنوان لو خلي وطبعه، يكون داخلا فيما هو موضوع لحكم العقلاء بالحسن أو القبح، وليس المراد من العلية والاقتضاء